23 يناير 2012

قراءة في معنى الحريّة من خلال قصيد زجل: "خلّينا نبقاوْ أحرار" للزّجّال المغربيّ: محمّد صقلي


الحرّيّة دعوة من دعوات الإنسانيّة مشروعة يدعو إليها كلّ الأحياء بصوت الغضب حينا وبصوت الهدوء والسّكينة حينا آخر. 
وهذا القصيد من الزّجل للزّجّال المغربيّ والإعلاميّ محمّد الصّقلي المقيم بروما، واحد من القصائد الّتي تهتف باسم الحرّية وتدعو الإنسان في كلّ مكان وزمان أن لا يضيّع معناها في زحمة الحياة ويُبقِيَ على براءته قيمةً أصيلةً فيه ليبقى حرّا. 
"خلّينا نبقاوْ أحرار"... لنبقَ أحرارا.
أَرْسَلَ العنوانُ الدّعوةَ، ناطقة نابضة، سَلِسَةَ اللّغة، يسيرة المعنى ، بريئة في براءة كلمة من بين شفاه طفلٍ يطلب شيئا ما من أمّه وهو يعلم أنّه يطلب أمرا واضحا ، ممكنا. ولكنّه لم يغفل أن يُرفق الطّلب برسم ملامح على وجهه تستعطف ، وتلحّ ، أو توحي بإمكان رفض طلبه. إنّه في بساطة هذه الصّورة. ولكن في عمق الدّعوة ومضمونها وهي الدّعوة إلى الحرّيّة والبقاء على عهد متجدّد معها.
يُغرقنا قصيد الزّجل"خلّينا نبقاوْ أحرار"، في لطف اللّفظ، لفظ معروف دون تكلّف، بسيط، ثابت واضح، كلّنا يعرفه. استَأنسْنا به فجعلنا نطاوع معناه. وجعل يسير بنا رفيقا إلى عالم الحريّة، يحصي مظاهرها، ويعرّي مزاياها ويفضحها ويكشف عنها... ويعرّيها. فتكتسي شفّافيّة ملائكيّة، تترقرق من ينبوع الحياة. فنراها تنتقل هنا وهناك بين الموجودات وفي كلّ عناصر الحياة. وحتّى الماء والنّار، في تضادّ لم يُقصد لذاته وإنّما هو تضادُّ ثنائيّةِ الموجود المفقود، والمفقود المنشود. ويلاعب الشّاعر الزّجّال طفولة كامنة فينا، وهي مفقود أوّل يرتسم على شفتيه المفقود الثّاني، المدعوّ إليه وهو الحريّة. 
وتمرّ في أفكارنا الكبيرة رسوم صغيرة لاهية، براءة طفل ونسمات عليلة تتجلّى رسما بريشة رسّام مبدع، ونرى الرّسم في هبوب الرّيح. ولكنّ لَهْوَ الطّفولة وبراءتها يحملنا. ونمضي رفقتها مع انبعاث الحياة في الزّهر، وانبثاق النّور في النّجم. بل نجد مظهرها حتّى في الظّلمة الّتي تتقابل مع الضّوء، مع النّهار لنتأكّد أنّ الحريّةَ حركةٌ دائبةٌ بالحياة في كلّ الموجودات، وفي كلّ الأوقات، وأنّها تتجلّى في كلّ ما حولنا واضحة. 
ويلاعبنا الأستاذ "محمّد الصقلي ملاعبة بريئة، لأنّ البراءة فعل يرافق الحرّيّة ويلازمها، فيذكّرنا دون إجهاد أنّ الحريّة هبة من الله ، مشتركة بين البشر. ونحن لا نشكّ في ذلك. ولكنّنا في زحمة الحياة نفقِد الحريّة حتّى تتحوّل إلى مفقد منشود. ولولا البراءة الّتي انبعثت فينا في بداية النصّ ما كنّا استعدنا معناها ولا قيمتها. 
إنّ القصيد يدعونا دعوة سريعة إلى نبذ الحرب... أيّ حرب، بل يدعونا إلى أن لا يسود العالم الشّرّ... أيّ شرّ. 
ألم أخطئ في تقديري لمعنى النّصّ ؟ بلى أخطأت...
إذن، لا بدّ من العود إلى البدء... 
إنّ الشّاعر قد أوقعنا في فخّ حبكة قصصيّة ومُلحة الختام ليصبح الشعر قصّة أو القصّة شعرا. واستعدّ لذلك بعدُّته. فعندما نقرأ جيّدا آخر سطر فإنّنا تعود دون تعب إلى البداية.... فهيّا لِنعد معا....
الدّعوة قائمة، متكرّرة، فيها إلحاح برئ، مقصود،فيه مشاكسة العارف بآليّة النّصّ الدّائريّ.... يجعلنا ندور ... ندور ونغنّي... نستمع الآن إلى النّصّ... الدّعوة كانت لحفل غنائيّ. ..نعُدَّ من البداية... كم مرّة أعاد: "خلّينا نبقاو أحرار"؟ ذلك ترجيع الأغنية كما هو رجع صدى الحرّيّة، والدّعوة الإنسانيّة المشروعة.
بل نقف قليلا ... هنا... نعم...حيث الأزهار والأزرار والنّجوم والسّماء والظّلام والظّلّ والأرض.... إنّها الألوان... أوقعنا الشّاعر ثانية في فخّه... ولم يكن بريئا كما ظننته. فالاحتفال مهرجان من الألوان ، زاهية وقاتمة، وتلك الثّنائيّة العجيبة الجميلة في الحياة. 

 إنّ الشّاعرَ يُخادعنا فنحن معه في فعل دائم. كنت ظننتُ أنّني ألهو مع الأطفال ، وها أنا أصارع الحياة في حركة دائريّة لا متناهية.... مثل النّاس جميعا نبحث عن نقطة نعرف فيها الحرّيّة لأنّه متى وجدناها ...ستنكسر الدّائرة أو تتكسّر. لنعلم مسار الحريّة ونقطة الوصول إليها في وضوح وجلاء.
ألا يحسن بالشّاعر أن يكسر الدّائرة في نقطة واحدة لنصل معا إلى الحرّيّة؟ لقد أحكم إغلاق نقاطها فكيف السّبيل إلى كسرها. إنّه يعلم أنّ الحرّيّة لا تكون لفرد وبفرد بل تكون بالجماعة وفيهم لذلك لن يقع في الأنانيّة والادّعاء بسبق معرفة الحريّة دونا عن الآخرين. قد أدرك الشّاعر بالشّكل المضمونَ وأتقن بناء النصّ وانحاز مع المتلقّي يتلقّى الدّعوة الإنسانيّة إلى الحرّيّة ويمارس طقوسا احتفاليّة معه بها يصل  مع الجميع إلى الحريّة المنشودة.
كلّنا معا " خلّينا نبقاو أحرار"....نغنّيها، ونرسمها، ونلوّنها، وننحتها...ونحكيها مع الزّجّال ومع كلّ إنسان حرّ.
براءة الشّاعر، ولطف لغته، وأغنية الأطفال... استطاعت أن تترك في أرواحنا  التعطّش للحريّة . إنّه مهرجان الفنون في القصيد، وهذا لَعَمري منتهى الإبداع. فكيف للشّاعر أن لا يرسم بالكلمة ، وأن لا يغنّي بالألوان.... وهل هذا ممكن في موضوع الحرّيّة؟

وهل في الكون من لا يدعو إليها أو يَحيا من غير عناق أياديها ؟ 
وهل في البشر من لا يَنشُدها ويُنشِدها وبالآمال يحدوها؟ 
وهل في الطّير... في العلياء مَنْ ليس بشاديها ؟
وهل في الشّجن وفي الأفراح.... من لا يشدوها؟
وهل في الشّجر ما ينمو من غير نسائمها أو لا يغنّيها ؟ 
وهل في الزّهر ما لا يُحييها ويغذوها؟ 
وهل نبضات القلب إلاّ نبض الحريّة يُجريها؟
وهل لوجودي من معان... إلاّ الحريّة يكسوها؟
وهل للفكرة من هدف... إن لم تكن الحريّة ترويها؟ 
~~~~~~~~~
قراءة وهيبة قويّة من تونس




خلينا نبقاو احرار

خـلينا نبقاو اْحـرار
بحال الما
والنور ولطيار
ولَهيب النـار

*

كيـف النسـمه
عـلى متـن الـريح
تسافـر وتلـقـح لـزهار

*
كيـف البسـمه
عـلى شفايف أولاد صغار
واللي سـرق الـبـسمه
يسرق حــتــى ضو النهار

*
كيـف النغـمه الشارده
ما تسعـف لوتار
تــتــســيــــد ع لــفــكــار
و تتـمـرد ع لـشعـار

*
كيـف النجـمه
تسـطـع ف سما
وتغـازل صورتها ف الما
والــفـَـضا مرصع ب زرار

*
خلينا نبقاو احرار
شـف الظـلـمه
حـتى الـظلـمـه
حين تخيّم
ربـمـا تـرتـاح الناس
من تعب النهار

*
خلينا نبقاو حرار
ربِّي سبحانه خلق العِباد
و جـعـل لـيـهـم الـدنـيـا دار
بسط الأرض
بطول وعرض
وكساها بظـل وأشجار


*
خلينا نبقاو احرار
لا غالب لا مغلوب
ما تْـنَـكَّـد عـيـشتنـا حُـروب
أو هـاد العـالم
يسـودو فيه الأشرار
هـــا غــصــن زيــتــون،
وهــا مشــمــوم الــنــوار
خلينا نبقاو احرار

**

مـحـمـد صـقـلي إعلامـي وكاتب مغربي مقيم بروما

نشر المقال في موقع مقالاتي على الرّابط التّالي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا

وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters