24 مارس 2012

غريبان نحن نبني عواصم من دخان


تحدّثتُ مع صديقي يوما عن الغربة والاغتراب، عن التّعب جسدا وروحا، عن عالم الغربة الّذي يعيشه كلّ منّا على طريقته، عن عالم يفرضه الإنسان على نفسه أو يُفرضُ عليه...
عواصم الدّخان كثيرة لو عددنا المغتربين ولكنّها لن تكون إلاّ في نموذجين اثنين لا ثالث لهما، إمّا عاصمة خراب ودخانها أوهام لأحلام نقعد عن تحقيقها، أو عاصمة نتحدّى فيها دواخلنا فنصفّيها  من الهموم فيكون دخانها دخان حياة وسعي لتحقيق الأحلام.

قال الصّديق والحزن يحدو كلامه:
حين تقابلنا قلت لي إنّ داخلي تعب وداخلك اغتراب وإنّ خارجي اغتراب وخارجك تعب.
لم نصطفِ الحزن لكنّه هو الّذي كسر ناي فرحتنا، ولكنّنا نحاول أن نرسم الأشياء كما نراها، فلا نخفي جنائزنا تحت ظلال الورد. وحين أعيد ترتيب الكلام لا أجد فرقا بين داخلي وخارجك وخارجي وداخلك.  غريبان نبني عواصم من دخان.

لم أختلف كثيرا مع قول صديقي ولكنّي حاولت رسم عاصمتي... بالألوان فقلت:
غريبان نحن نبني عواصم من دخان. ولكنّي،أحاول أن ألوّن الدّخان بألوان الورد لعلّ الألوان تزيح الغربة وتقتل التعب. أفجّر الصّمت بأصوات الغناء. وأرفع هامة من تحت الأنقاض، لعلّ الأنفاس تصل رئتيّ، وأحيا... حياة خريف، أو شتاء، أو ربيع، أو صيف.
ما لوّن الورد الدّخان.
كان يمحو الألوان وتزداد قتامته. ويرسم وجوها غريبة. يشكّلها على أشكال الخوف الّتي تختبئ داخلي... ويسخر منّي.
ما سمع الدّخان أصوات الغناء...
رماها في مسمعي نحيبا يهزّ كلّ حجارة العواصم الّتي أبنيها، فتنهار...
ما زلت أحاول مغالبة التّعب... أستنهض بقايا الخراب وأبني من جديد... وأنحَت فجرا في عينيّ ليسكنها، فيطفئ الدّخان كلّ فجر جديد...
لا يهمّ... نور الشّمس سيرسل الدّخان إلى أبعد نقطة...
ولكن، نور الشّمس ما استطاع التسرّب لكثافة الدّخان.
إنّي أختنق... عواصم الدّخان تكبر وتتّسع لتضيق عليّ... وأنفاسي تتراجع والهواء ما عاد يكفي لأتنفّس... هل يعني ذلك أن أستسلم للموت؟ هل أبنيك أيّتها العواصم لتكتمي أنفاسي؟
لا... لا بدّ أن تنبض الحجارة وتتباعد وأخترق كلّ جدران الدّخان... ولكنّي مجهدة... من أين آتي بمعاول الهدم لأستنشق الهواء من أرحب سماء؟
~وهيبة ڤويّة~

هناك 6 تعليقات:

  1. داخلي تعب وداخلك اغتراب وإنّ خارجي اغتراب وخارجك تعب
    وبين داخله وخارجك وخارجه وداخلك تتشابه الحكايات تتلون فضاءات الكلام بالحزن ودخان الوقت وزرقة صمت المغني وكأن الزمان عالق عند حدود الصفر
    وفي غضون الحكاية يأتي الكبرياء كما يليق بعنقاء هذا الزمان المتعب

    ردحذف
  2. الزّمن يعلق عندما يشتدّ الحزن بالنّفس. ولأنّ الحزن أصدق من كلّ المشاعر سيظلّ. ومعاول الهدم لا بدّ أجدها. حينها لن أنبعث من رماد الحجارة ولكن من دخان الحياة... كما يقتضيه الكبرياء.

    ردحذف
  3. أحب كثيرا هذه الخواطر وشكلها ونفسها وأسلوبك الشاعري الرومانسي في تناولها. هذا مسلك فد يكون مدخلك إلى اختراق جدران الدخان الأدبي والخروج إلى حيث تتضح الرؤية أكثر ويرفرف الجناح حاليا وبعيدا.
    كل مودتي
    الهكواتي

    ردحذف
    الردود
    1. وأحببت كثيرا مرورك بنصّي. كان النصّ ضمن تجربة أسميتها" النصّ الظلّ" بنيت فيه مدنا من حروف "صدى" لفكرة أتحدّث فيها مع صديقي انطلقنا فيها من محاورة حول" المدن الخراب" و"عواصم من دخان" ثمّ "شرفات القلب".
      رأيك يحثّني على مراجعة نصوصي ويحفّزني أكثر وأكثر

      حذف
  4. شكرا لك صديقتي وهيبة على هذا النص. أحببت كثيرا هذه الخاطرة ومناخها الرومنسي وشكل بنائها الحواري. عندي ما يشبه الحدس بأن هذا المسلك قد يكون طريقك الى "اختراق كل جدران الدخان" الأدبي والخروج إلى نقي الهواء الإنشائي للتحليق بجناح راسخ الوعي عاليا وبعيدا.
    مودتي الخالصة

    ردحذف
    الردود
    1. نصوصي غلبت عليها "الخاطرة" وهي ضمن تجربة أحاول فيها دفع الأفكار من ذات الفرد إلى فكر المجموعة. ويوم أنجح في أحد نصوصي فأرى الفكرة خارج الذّات المفردة وبعيدة عن "الخراب" ستخترق نصوصي جدران مدن الخراب وتجتاز دهاليز العتمة إلى مجالس النور

      حذف

التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا

وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters