غلاف كتاب سارقة الكتب بالعربيّة |
إذا لم تكتشف "قوّة الكلمات" بعد
فاسرق الكتب واقرأها...
اسرق بعض الوقت لتقرأ "سارقة الكتب لــ
"ماركوس زوساك"
ماذا لو روى الموت فصولا من حياة طفلة شهدت موت عائلتيْها
فردا فردا؟
ماذا لو علّمتنا "سارقة كتب" كيف أنقذتها
الكتب وقوّة الكلمات؟
ماذا لو أعدنا النّظر في الكلمات وكيف لها أن تغيّر
العقل؟ أو أعدنا النّظر في الحياة والموت والحبّ... وفي الخوف...؟
ماذا لو أمسكنا الكتاب الكبير "سارقة الكتب"[1]
للرّوائيّ الأستراليّ "ماركوس زوساك" بصفحاته الـــ 654 وعدت معه إلى ما
بين سنتي 1938 و1945 وخضنا مغامرة الحياة والحرب والموت بعيون طفلة؟
وماذا لو تصفّحنا تاريخ النّازيّة على لسان الموت و"سارقة كتب"؟ أو تصفّحنا تاريخ الخوف؟ ...
غلاف كتاب سارقة الكتب |
ستأخذ بيدنا المتعة حتما ونحن نقرأ. فتصميم الرّواية مختلف عمّا عرفناه في
تسمية الفصول وتفريعاتها. فكلّ تفريع إمّا أن يكون تمهيدا لكلّ الفصل، يكشف محتواه،
مثل فهرس في كتاب، أو حوصلة له في جمل مختصرة تغيّر الفهم المتداول عن الرّواية
وتدفع الحكاية بعيدا وأعمق.
تبدأ الرّواية بتعاليم البدايات، بما يشبه بدايات الكتب المقدّسة أو الفكر
الإنسانيّ الباحث عن الأصول والبدايات:
«أوّلا الألوان.
ومن ثمّ البشر.
هذه هي عادتي في رؤية الأشياء.
أو على الأقلّ، هكذا أنا أراها، وفق هذا التّرتيب.»
هكذا يعلن الموت حضوره، ويصرّح بتولّيه سرد الحكاية.
وتصدمنا الحقيقة الّتي لا مفرّ منها، تأتي على لسان الموت: «إليكم حقيقة
صغيرة، سوف تموتون» هكذا يبدأ الموت الرّواية وهو ينصحنا ألّا نقلق من هذه
الحقيقة، ويضيف: «فأنا لست شيئا إن لم أكن عادلا.» وهل أعدل من الموت؟ أليس هو
القادر على اتّخاذ المكان المناسب في الوقت المناسب ليراقب البشر؟
الكتاب حكاية مكشوفة في عناوين تفريعات الفصول مع ذلك تأخذ القارئ إلى عالم
"عجائبيّ" (بقدر العجب الّذي يجعلنا نتأمّل البطلة الصّغيرة الّتي تعيش
في الخوف وتحيا ملء الحياة وملء الكتب)، مع أنّه تاريخ واضح. تاريخ شديد الوضوح
ولكنّه مال إلى التّخييل واختار ما يلائم حكاية "الموت" للحياة في تلك
الفترة من خلال حياة طفلة. فالتّاريخ فترة الحرب الثانية بداية من 1938 حين تظهر
البطلة الصّغيرة ليزيل ميمنغر وعمرها تقريبا ثمانية أعوام، وقد فقدت كلّ
أفراد عائلتها، ويمتدّ إلى سنة 1945 بموت هانز وروزا هوبرمان أبواها
بالتبنيّ، ورودي شتاينر صديقها، ونجاتها هي من تحت الأنقاض بعد قصف هدّم
بيتها رقم 33 في شارع هيمل. ثمّ يختصر الموت بقيّة الأحداث حتّى تحين مهمّته في
حمل روح ليزيل إلى حيث يجب أن يمضي بها.
الصفحة 297 من كتاب سارقة الكتب لــ ماركوس زوساك |
الحكاية طويلة، تعلّم الصّبر على القراءة. وهذا الطّول له دلالته. فالحكاية
"حكاية قراءة وكتابة" وكلمات تغيّر الحياة بقوّتها. مثل خطب هتلر الّتي
يسخّر بها الشّعب ويوجّهه بها لما يريد، وقوّة الكلمات الّتي جعلت ليزيل
ترى العالم من خلالها حتّى أنّها صارت تقرأ للمختبئين بالقبو وقت الغارات لتبعد شبه
الخوف والموت.
وهي رواية شخصيات وليست رواية أحداث. إذ توجّه الشّخصيّات الحكاية ومن
خلالها نجد المواقف المختلفة، من الشّيوعيّة والنازيّة واليهود والحرب والقراءة
والكتابة والخطب والاستعراضات والسّرقة... والحياة والموت أيضا. حتّى أنّ القارئ
نفسه يصير شخصيّة روائيّة يتّخذ مواقفه مع بقيّة الشّخصيّات. وقد لا يكون الحياد
مبدأ أيّ شخصيّة في الرّواية، ولا مبدا القارئ، ولكنّ الجميع يحاول فهم موقفه من
خلال زاوية الرّؤية الّتي اتّخذها ممّا يقرأ. ومن الأكيد سيخرج القارئ بكمّ من المشاعر
المتضاربة الّتي يمكن أن تجتاح الإنسان تجاه بعض ما واجهه في تاريخه مثل النّازية
وما حصل لليهود في ألمانيا زمن هتلر والموت الضّارب في كلّ الإنسانيّة بضراوته
لأنّ الموت، ببساطة، "عادل" مثلما صرّح الموت الرّاوي من البداية «فأنا
لست شيئا إن لم أكن عادلا.»... سينهي القارئ الكتاب ودوّامة الأسئلة تبعثر نفسه
وإنسانيّته: كيف يسيطر على مشاعره فلا يوجّهه الكتاب إلى تبرير ما حدث بعد الحرب
الثانية؟ وكيف يقرأ صفحة من تاريخ "الموت" فيجد معنى لحياته؟ وكيف لــ الكلمات
الّتي يسمعها أو يقرأها أو يكتبها أن تغيّر حياته وتحميه من السّقوط في
اللّاإنسانيّة؟
يخرج القارئ من الرّواية وقد عاش ملامح سنوات لشخصيّات تطوّرت بمواقفها
وقراءتها وفهمها للموت وللحياة واكتسبت التّجربة والموقف وماتت تاركة ليزيل
تواجه الحياة. فنرى الحياة... نراها بعيونها الصّغيرة، وبسرقة الكتب وبتأليف
كتابها "سارقة الكتب" الّذي أنقذها من الموت، وعبر الصّور الّتي احتواها
كتاب "المراقب" الّذي كتبه ماكس فاندينبيرغ اليهوديّ لــ ليزيل
وهو مختبئ في قبو بيتها... بسيطة هي الحياة، ولنفهمها كان لا بدّ أن يرويها الموت
بالّذات ويختار ما يناسبها من زاوية رؤية يحدّدها هو.
وكان لا بدّ، أيضا، أن يحشد الرّواية بعناوين كثيرة من الكتب المسروقة.
لماذا هذه السّرقة؟
تجد ليزيل متعة القراءة في الكتب المسروقة أكثر من الكتب الّتي لا
تسرقها. يقول الموت الرّاوي: «وفي وقت لاحق عندما كتبت ليزيل المراهقة عن تلك
الكتب أشارت إلى أنّها لم تعد تذكر العناوين، ولا عنوانا واحدا. ربّما لو سرقت تلك
الكتب لتذكّرتها على نحو أفضل.» وهي تسرق أيّ كتاب وتترك للقراءة لذّة اكتشاف كلماته.
فأوّل كتاب كان "دليل حفّار القبور" وهو كتاب يقدّم اثنتي عشرة
خطوة لتحقيق النّجاح في حفر القبور... كتاب ذو دلالة هامّة للرّاوي، الموت. وهو
الكتاب الّذي تعلّمت به ليزيل أوّل كلماتها. والّذي بقدر ما فتح لها أبواب الكلام
والقراءة وعلّمها السّيطرة على الخوف من النّازيين والحرب، حفر القبور لعائلتيها
الأصليّة وبالتبنّي، ولجيرانها ولصديقها رودي. كان أيضا كتاب التحدّي
والردّ على المتنمّرين في الفصل حين لم تعرف كتابة اسمها في أوّل أيّام التحاقها
بالمدرسة، فهو فاتحة الكتب المسروقة، وكان أفضل فعل يناسب موضوعا من أهمّ مواضيع
الرّواية وهو القراءة في زمن الخوف وقيمة الكلمات في تغيير العقول، كما جاء الكتاب
تحدّيا لحرق الكتب في زمن هتلر.
وإذا ما تتبّعنا العناوين المسروقة بعده وجدنا خطّة مثيرة. فالعناوين الّتي
تسرقها ليزيل اعتباطا تصير وظيفيّة في الرّواية وتناسب مقام الفصل. إذ سرقت من
النّار الّتي التهمت جبلا من الكتب، رواية اللامبلاة وهي رواية عن: «بطل
الرّواية يهوديّ يظهر بمظهر إيجابيّ، وهذا أمر لا يغتفر. حيث يسرد الكتاب قصّة رجل
غنيّ تعب من ترك الحياة تمرّ أمامه، ويصف وصوله إلى حالة من اللاّمبالاة بالمشاكل
والملذّات الّتي يحظى بها الإنسان خلال حياته على الأرض.»، يليه كتاب رجل
الصّافرة، وكأنّه يذكّر بصافرات الإنذار وصوت القنابل، ثمّ أغنية في
الظّلام... وكيف لا تسرق مثل هذا الكتاب وأبوها بالتبنّي هانز يعزف لها
الأكرديون في القبو ليلا على ضوء فتيل؟ نفس القبو الّذي خبّأت فيه العائلة الملاكم
اليهوديّ ماكس والّذي كانت له نفس كوابيس ليزيل.
وجد الرّاوي تبريرا لمساعدة عائلة ألمانيّة خائفة ليهوديّ هارب من الفوهرر
الّذي واجهه في مباراة ملاكمة، وهو الصّداقة الّتي جمعت في الحرب السّابقة والد
الفتى بصاحب البيت هانز. هل هذا السبب كافٍ لتعرّض العائلة نفسها للخطر
وتعيش الخوف؟ هذه العائلة حرصت حتّى على مظهر ليزيل حين تبنّيها وانتبهت
حتّى إلى لون شعرها «والّذي كان ذا سمة قريبة بما فيه الكفاية من شقراء ألمانيّة». ولكن أليس ذلك محاولة لضبط مفهوم الإنسانيّة في
ألمانيا النّازيّة، الإنسانيّة الّتي انتهكتها قوّات هتلر؟ خاصّة وقد ذكرت حادثة
"ليلة الزّجاج" الّتي حطّم فيه النّازيون محلاّت اليهود بألمانيا، أو
وصف الاستعراض الفرجويّ لليهود وهم يساقون نحو المعسكرات أو المحارق. هذا الجيش
الّذي رآه رودي الطّفل سارقا إذ يقول لـليزيل: «أتعرفين يا ليزيل،
كنت أفكّر في أنّك لست سارقة على الإطلاق... أنا لا أسمّي تلك سرقة. فالسّرقة هي
ما يفعله الجيش. إنّه يسرق والدكِ ووالدي... كلّ هؤلاء النّازيّين الأغنياء هناك،
الّذين يقطنون في شارع جرانده، وشارع جيليب، وهايده، كلّهم سارقون.»
هكذا يصوغ الأطفال كلماتهم ويعطونها القوّة، ويصفون العالم من حولهم. فسرقة
الكتب ليست سرقة، وقد تفطّنت إلى ذلك زوجة رئيس البلديّة الّتي فتحت مكتبتها لـليزيل،
وتركتها تسرق منها كتابا بعد كتاب دون أن توقفها... بل أهدتها كتابا فارغا لتكتب
فيه روايتها الخاصّة "سارقة الكتب".
حفلت الرّواية بالكُتب والكتابة والحروف والقواميس، قاموس هانز على جدران
القبو، وقاموس دودن وهو أوّل قاموس ألماني وضع في 1880. ولم يكن مجرّد ذكر لأجل ظاهرة
سرقة الكتب، بل لإعطاء الكلمة قوّتها، وكانت وازعا لأن يعرض الموت فلسفته ورأيه في
الإنسان وهو يروي حكاية الإنسان، وإظهار مقدرته على معرفته يقول: «والنتيجة هي
أنّني دائما ما أجد البشر في أفضل حالاتهم وأسوئها. أرى قبحهم وجمالهم وأتساءل كيف
يمكن للكائن نفسه أن يكون هذين النّقيضين في آن. ومع ذلك، فهم يمتلكون شيئا واحدا
أحسدهم عليه: لدى البشر، دائما وأبدا، القدرة على الموت.» وهذا جواب لمن يرى بأنّ
للإنسان القدرة على الحياة. لذلك لم يهتمّ بـليزيل حين نجت من الموت تحت
أنقاض الشّارع وعاد إليها حين جاء موعد أخذ روحها. فالموت لا يمكنه أن يرى الإنسان
إلاّ في الموت، وأمّا الحياة فهي فعل لا يدخل ضمن اختصاصاته. فالحياة من اختصاص ليزيل:
«أردت أن أحدّثها عن الجمال والوحشيّة. ولكن ماذا في وسعي أن أقول لها عن تلك
الأمور الّتي عرفَتْها واختبَرَتْها بالفعل؟ أردت أن أشرح لها بأنّني نادرا ما
أقدّره حقّ قدره. ببساطة أردت أن أسألها كيف يمكن للشّيء نفسه أن يكون قبيحا جدّا
وجميلا جدّا في آن معا، وكيف يمكن لكلماته أن تمتلك هذا القدر من القوّة
التدميريّة والرّوعة الفائقة في الوقت عينه؟»
بهذا أرى أنّ الرّواية تكمن في فهم مواقف الإنسان زمن الحرب وكيف تلوّنه
الحرب بلونها، فلوّنت النازيّة الألمان المتعصّبين ليواجهوا حياة البشر الّذين لم
يتلوّنوا، وظلّوا في ركن من الحياة يحيون بإنسانيّتهم الخائفة من الظّلم
والاستبداد ويتبعون ضوء الكلمات، مثَلُهم في ذلك حياة ليزيل الّتي «استمرّت
في حمل الكتاب، كما لو أنّها تتشبّث يائسة بالكلمات الّتي أنقذت حياتها.»
يلخّص الموت رؤيته لـ "الموت" زمن الحرب، منذ البداية حتّى انتهى
إلى فلسفته الخاصّة بعدالته تجاه الإنسان، فأيّ قوّة تحدّد وجود الإنسان؟ قوّة
الكلمات الّتي تنقذه وتغيّر العالم، أم قوّة التّدمير الّتي تضعه تحت "جبل من
الأنقاض" يرتع خلاله الموت؟ وأيّ معنى للحياة وللموت؟
"سارقة الكتب" رواية تسرق مشاعرنا ولكنّها تمنحنا عدالة الحياة،
أو عدالة الموت... بحسب توفيقنا في اختيار القوّة الّتي نمارس بها "سرقة
الحياة". يقول الموت الرّاوي: «إنّها قصّة أحد أولئك النّاجين الدّائمين، أحد
الخبراء في البقاء على قيد الحياة، دون غيرهم. إنّها في الحقيقة مجرّد قصّة صغيرة
حقّا، تدور عن وبين العناصر التالية:
·
فتاة.
·
بعض الكلمات.
·
عازف أكرديون.
·
بعض الألمان المتعصّبين.
·
ملاكم يهوديّ.
·
والكثير من السّرقة."
لذلك اسرق بعض الوقت لتقرأ "سارقة الكتب لــ "ماركوس زوساك"
الغلاف الخلفيّ لكتاب سارقة الكتب |
وهيبة قويّة
[1] سارقة الكتاب: The Book Thief هي رواية للكاتب الأسترالي ماركوس زوساك. نشرت
للمرّة الأولى عام 2005
حصدت الرّواية عددًا
من الجوائز، وتُرجمت إلى 63 لغة، وبيعت منها حوالي 16 مليون نسخة ورقيّة. تحوّلت
إلى فيلمٍ عام 2013.
نُشرت الطبعة
الأولى للنّسخة العربية من الكتاب تحت عنوان «سارقة الكتب» في عام 2018، وهي من
ترجمة المُترجمة السورية دالية مصري، وصدرت عن دار ممدوح عدوان للنشر
والتوزيع. (عن ويكيبيديا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا