‏إظهار الرسائل ذات التسميات زاوية للنّصوص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات زاوية للنّصوص. إظهار كافة الرسائل

29 يناير 2023

خبز أمّي ينتخب، وهيبة قويّة

صورة لخبز العالية تخبزه النساء وينضج في الفرن التقليدي

 خبز أمّي ينتخب

أمّي تشتهي خبزها اليوميّ البسيط. وظلّت من خلف عقدها التّاسع تنتظر صواع سميد افتقده البيت. كم حرّكت يديها المتعبتين تعجن بهما الهواء وتخبز رغيفها المشتهى! وكم انتخبت من المروج الخصبة السّاكنة في صندوق ذاكرتها، بعنايتها وحكمتها، لتزرع فيها حَبّها المبارك! وكم حرست حقول القمح حتّى استقامت سيقان السّنابل الخضراء! وكم عدّت الأيّام لترى السّنابل وقد انحنت ذهبيّة ممتلئة حين قبّلتها شمس الصّيف! وكم حدّثت نفسها بتذوّق خبزها يأتيها ساخنا من الفرن التّقليديّ وقد فاح بروائح الحطب الّذي أنضجه وروائح أخرى لا يعرف سرّها سواها!

أمّي ماهرة في الخَبز. تأخذ صواع السّميد وتكيل ما يحتاجه طعام أهل البيت وتضعه في قصعة العجين. تضيف الخميرة الّتي خبّأتها بعناية فائقة لطقوس خُبزها اليوميّ. تخلط الدّقيق بحفنة من حبّ السّمسم و"حبّ الحلاوة" وحبوب أخرى تجعل خبزها يتفوّق بنكهته ورائحته على كلّ الخبز في بيوت الجيران. تعجن كلّ ذلك بحُبّ وتعركه حتّى يلين فتسوّيه أرغفة تزيّن وجهها بخليط من الزعفران وزيت الزّيتون. وحين يرتفع حجم العجين يكون موعد خروجه من البيت إلى المخبزة التّقليديّة، ليدخل إلى الفرن العتيق المتوهّج بنيران تأكل الحطب وتتولّى أمر نضج الخبر وإعلان استوائه بروائحه الطيّبة.

يصل طبق الخبز إلى البيت فتعطي أمّي رأيها في عمل الفرّان ومدى إتقانه لعمله. فحسب رأيها هو المسؤول الوحيد على إنجاح عملها. تشمّ الأرغفة واحدا واحدا، وتتلذّذ بما فاح من روائحها ثمّ تحفظها في مكان لا تصل إليه يد الجوعى الّتي تمتدّ إليه دون تقدير لتعبها في صنعه فتعبث بوجهه وتفسد شكله قبل موعد الطّعام.

مراسم الخَبز يوميّة. فالخُبز، حسب أمّي، يجب ألّا ينقطع من البيت. فهو نعمة الله، وفيه بركة لا يعرفها أبناء اليوم الّذين اعتمدوا على المخابز العصريّة ولم يستعملوا أيديهم لصنع خبزهم اليوميّ.

منذ أشهر تتفقّد أمّي كيس السّميد الفارغ. لا سميد. ولا خميرة في البيت. والزّعفران مفقود أيضا. تنظر إلى يديها المتعبتين بنظرها المتعب وتحدّث نفسها:

-  مازلت قادرة على الخَبز. وسأصنع خبزي بيديّ. ولكن...

زرتها منذ أيّام وتحدّثنا عن خبزها اليوميّ وعن الفرن والفرّان وعن الخميرة والسّميد وبيادر القمح و"غسّالة النّوادر". حينها بكت السّماء ملء الأرض وضجّت برقا ورعدا. فقالت أمّي:

- هذه أمطار بداية الخريف، جاءت تغسل بيادر القمح وتعلن بداية العام. هذه "غسّالة النّوادر" كما شهدتها حين كنت يافعة... هي تنبئ بنعم كثيرة. ستمتلئ البيوت خبزا وماءً.

بعد وقت لا أدري إن طال أو قصر، صدقت نبوءةُ أمّي، نصفُها. امتلأت البيوت في كثير من المناطق ماءً وحملت سيوله خيرات كثيرة لا علم لنا إلى أين. وأعلنت الأخبار أنّ الأمطار حملت قناطير من القمح معها. وأغلق الخبّاز الفرن، فقد ابتلّ الحطب وتلف القمح وانقطعت الخميرة من البيوت. وعقّبت أمّي:

 - الله لا يقطع لنا خميرة من الدّار.

أمّي شغلت نفسها بالدّعاء. وأنا تابعت الأخبار الّتي فاضت بالآراء وأمطرتني بوابل من التّحاليل حول نتائج الانتخابات المتوقّعة. وتجنّد جيش من المتكلّمين عن الماء والخبز... بعد تسع عجاف رعت ثورة الخبز والماء الضّامنيْن لكرامة شعب نادى: "خبز وماء... والجبروت لا"

قالت أمّي وهي تواصل دعاءها:

- الماء والخبز رزق من عند الله ! يا ربّ ارزقني صواع سميد لأصنع خبزي، وارزق الجميع لأجل خزينهم السّنويّ. فلا عام لنا بلا "عولة".

العولة أيضا من طقوس أمّي الّتي تحتاج فيها إلى السّميد. وهي طقوس صيفيّة سنويّة تخبّئ خلالها ما يحتاجه أهل البيت من طعام يعتمد فيه السّميد أو دقيق القمح. وأمّي في ذلك مثل نملة نشيطة تخبّئ في الصّيف طعام الشّتاء لها ولكلّ العائلة.

كفّت الأمطار وطوت السّماء سحبها وبرقها ورعدها وركضت شمس الخريف في ساحاتها ليزهر الزّمان والمكان.

ابتسمت أمّي للسّماء وقالت:

- كلّ هذا الماء ولا نجد صواع سميد؟ حديث هؤلاء المترشّحين يرشح ماء ولكنّه لا يملأ أوعية العولة. فقد تركوا القمح للسيول والتّلف وحرمونا سميد الخبز والعولة. لن أنتخب فأنا أشتهي الخبز. والفرن أُغلقت أبوابه إذْ كفّت سواعد النّساء عن صنع الخبز في بيوتهنّ لافتقاد السّميد.

أفهم جيّدا موقف أمّي. فهي لا تحبّ إلاّ ما تطبخه يداها في بيتها. ولا أذكر أنّني رأيتها تأكل أكلا جاهزا من خارج البيت. لذلك لن تقبل بغير خبزها.

قلت أهدّئ من روعها:

- لكلّ زمان عاداته وطقوسه. واليوم زمان الخبز العصريّ والأكل في الشّارع...

قالت:

-  الله لا يعطينا ما يغلبنا. وقد غلبونا. وأغرقونا بكلامهم وحبسوا عنّا نعمة الخبز. سيصيبهم غضب الله وغضب الفقراء. 

انتهت أخبار الماء، وجاءت أخبار الانتخابات لتملأ الفضاءات دهشة وكلاما ودقّت أجراس النّتائج. سألت أمّي من انتخبت فثارت في وجهي:

-  الخبز والماء...

في نفس اللّحظة وصلت نتيجة أوّليّة للانتخابات تعلن فوز الخبز ورشح وِفاض المتكلّمين... فتكلّمت:

-  أمّي ! هل تصدق هذه التّخمينات؟

-  فقالت أمّي :

-  تصدق. انْتَخَبَ الخبزُ فرّانه والبطون راعيها...


نصّ من كتاب: على ضفاف الضّوء، وهيبة قويّة

عن دار عود الندّ للنّشر/ لندن

صورة للفرن التقليدي الأندلسي بالعالية، ببطحاء الجامع العتيق

الفرن التقليدي بالعالية، ببطحاء الجامع العتيق


25 يناير 2023

إشراقات نافذة

 

بأعلى الجدار الّذي أتكئ عليه نافذة صغيرة تتعلّق بأهداب السقف، تفتح عينيها للضّوء وتعمل عمل الرّئة للمكان، وتراقب الباب أمامها، كعين كاميرا. لا يستطيع أحد الحركة دون أن ترصده. فموقعها استراتيجيّ ما بين ضفّتي الجدار. فهي تقف على حدود الخارج بشمسه وهوائه وتقلّباته وحياته، وتشرف على الدّاخل بعتمته ونقص هوائه، لولا الضّوء العابر من عينيها، ولولا ما تجود به من الهواء العابر بها... وتطلّ على رتابة المكان، وتفاصيل حياته البطيئة الهادئة.

لا ألقي للنّافذة بالا في الغالب، ربّما لأنّها موجود ضروريّ جعلته العادة من الموجودات العادية الّتي لا تلتقطها حواسّي بلهفة وانتباه، وربّما لأنّها أصغر من أن أعطيها اهتمامي، أو ربّما لأنّها أعلى من إدراك بصري وما يهمّني هو أثرها في المكان. وإلى وقت قريب كنت أفضّل الاهتمام بالباب وأنا أسند ظهري إلى جدار النّافذة فأرتاح من صخب نفسي ورأسي وفوضى أيّامي وطول لياليّ الّتي يسودها نوم متقطّع.

وذات يوم، مرّت عاصفة بالخارج كادت تقتلع النّافذة من مكانها، وهطلت أمطار غزيرة ضربت النافذة بسياط مائها ولم ترحل إلاّ وقد غشي بصر النافذة قذى وانطفأت بهرة الضوء من عينيها أو كادت.

وكما تبدأ كلّ حكايات العشق منذ الأزمان الغابرة، نظرت إلى النافذة أعلى الجدار، وتعلّق بها نظري، ثم أسرعت لأصعد على كرسيّ وضعته على طاولة لأصل إلى عينيها الذّابلتين وفي يديّ ما أمكن من موادّ التنظيف ووسائله. وطفقت أنظّفهما وأجتهد لإزالة ما وقع فيهما من الأذى. واجتهدت في ذلك فأعدت البريق إلى الزجاج المؤطَّر. وابتسمت. فنظرت إليّ وشعاع الشّمس الباهت خارجها ينفذ من خلالها شديد الإشراق. وطاف بالمكان وأشعّ في كلّ التفاصيل حولي. وصار المشهد كلّه تحت الضّوء وكم كنت أحتاج إلى بهرة الضّوء هذه لأرسل روحي خارج المكان مثل عصفور منطلق لا تعطّله قضبان القفص.

وقعت في عشق النّافذة الصغيرة العالية. فرتّبت مكاني قبالتها وصرت أجلس يوميّا في مكاني الجديد أسند ظهري على الجدار المقابل لها وأتمتّع بما ترسله إليّ من إشراق الشّمس أو من ظلمة اللّيل. وحبوتها بتنظيف دائم لتظلّ الابتسامة رفيقتنا وعيناها تراقبان يومي وما أفعله تحت طائلة ناظريها. بل، أنا، كنت أراقبها وأراقب قطعة السّماء التي تهرّبها عيناها إليّ.

...

وهيبة قويّة

 

20 يناير 2023

نافذة صباحيّة

نافذة صباحيّة
 

ضاءت نافذة الغرفة تعلن الصّباح. شعرت بالضّوء على جفنيّ. تشرّبته عيناي فابتعدت صور كنت أراها غائمة في ضباب النّوم.

حاولت فتح عينيّ ولكنّهما لم تنفتحا، بل صارتا بهرتيْ ضوء معلّقتين في الفراغ. جسدي أيضا معلّق في الفراغ مع أنّني ممدّدة في حضن فراشي، فِراشي القَلِق الأرِق مثلي والذي لم يهدأ منذ نويت النوم.

حاولت سحب الغطاء، لم ينسحب. ولم أشعر بدفئه ولا ببرد الغرفة. تسمّعت ما حولي ولكنّي لم أسمع إلاّ أصواتا تأتي من البعيد خافتة. كأنّها تختفي خلف الطرقات، أو تهرب من الفضوليين. وسمعت أصواتا أخرى تأتي من مكان أبعد لم أدركه ولكنّها اختفت داخلي مرتعشة. لم أفهم ما تقول. هي لم تحدّثني مباشرة ولكنّها وقعت عليّ واختبأت داخلي كطفل خائف. انتفضتُ ثمّ هدأتُ. وهدأتْ الأصوات حولي وداخلي. وغرق كلّ ما حولي في الهدوء والصمت.

مثل هذا الهدوء يحتاج إلى احتفال صباحيّ خاصّ. سأنهض وأوقظ نكهات الصباح عطوره. وأحتفل. لم يتحرّك جسدي. ولم يطاوعني. مازال معلّقا في الفراغ. أيّ ريح تحرّكه ليطير أو يرتفع أو يهوي؟ كلّ شيء هادئ. فلا ريح مرّت ولا نسمة.

حاولت مرارا أن أفتح عينيّ. انغلقتا أكثر. وشيئا فشيئا انزاح الضّوء عنهما. وحلّ ضباب كثيف فيهما ثمّ ظلام. ثم ارتسمت صور غائمة على السواد. وصرت أختار منها وأرتّبها وأتصرّف في أشكالها وألوّنها.

هنا أنا أقف على تلّ من شجر اللّوز. وهنا يداي تقطفان بياض الفرح زهر لوز. وهنا دفء الشّمس يجمع عظامي فأركض طفلة يحملها الحلم بأجنحة من نور. وهنا أقف وأراقب المدى المخضرّ الخضل. ويمضي بي جناح الحلم. فأختار صورة حقول القمح وأختفي بين السنابل. وباقة من شقائق النعمان أضمها إلى صدري. وأحرّك الرّيح فتحملني. وأرتفع معها إلى الغيم وأطلّ على جسدي الممدّد متعبا. وعيناي تطبقان على بقايا حلم يركض بعيدا عنّي. هنا أنا هادئة أجمع الصّمت في هدوء وأسكبه على جسدي لحنا يهدهده ليستفيق ويأخذني بعيدا.

هنا أنا أصوّر عالما يراودني ولا أعرفه ولكنّني أقبض عليه وأتمسّك بحباله حين أهوي في الفراغ ويسقط الفراغ داخلي. هنا أنا أحاول الحياة.

أنا هنا حولي ضوء الصّباح ورائحة اللّوز والقمح تستدرجني لأصعد من الهوّة.

حرّكت أصابع رجلي اليمنى. تحرّكت. هذه علامة أنّي هنا، خارجي. ففتحت عينيّ. ووصلني صوت الصباح:

"على جسر اللوزية تحت وراق الفيّة

هبّ الغربي وطاب النوم وأخذتنا الغفويّة

وسألوا كتير عليّ على جسر اللوزيّه..."

ووقفت على الجسر بيني وبيني معلّقة في عيون الصّباح...

وهيبة قويّة

من: أنا بخير فصل: فيبروميالجيا

18 يناير 2023

كاندل

كاندل

ضوء الفجر يختفي خلف بقايا اللّيل. وأنا أختفي تحت الغطاء بحثا عن بقايا دفء محتمل. تحت جفنيّ بقايا نوم لو استسلمت إليه فسيحملني إلى الدّفء والأحلام. عظامي توخزها شحنة كهرباء باردة حارة في نفس الوقت.

القطة بشراستها الطبيعيّة تطلّ عليّ وهي تدوس بأقدامها القطنيّة الغطاء تمهّده لتنام في دفئه ودفء أنفاسي. وجودها قربي يزيد من لذع الكهرباء في عظامي. أتحرّك. فتفرّ مبتعدة ثمّ تعود لتطلّ على وجهي وتحاول لمسه بخوف. أنظر إليها فتشيح بنظرها كأنّها تقنع نفسها بأنّها لا تراني وتمهّد ثانية بأقدامها المكان ثمّ تستقرّ بين كتفي ورأسي وتسترخي... ولا أنام.

تخاتلني وأخاتل حركاتها وأبحث عن علاقة الكهرباء بهذه الكتلة القطنيّة الصامتة (كاندل قطيطتنا الشرسة لا تموء بل تخمش). لماذا يشتدّ لذع هذه الشحنة الّتي تعوّدتها منذ سنوات حين تتمدّد القطيطة قريبا منّي أو فوق رجليّ أو فوق كتفي؟

يقول جماعة الطاقة بأنّ القطط تتشرّب الطاقة السلبيّة وتنقّي المكان منها. فهل أحمل كلّ هذه الطاقة السلبيّة؟ غريب! أنا أشعر بالإيجابيّة وبالحياة وبالرغبة في الركض بعيدا عن الفراش والغطاء والصباح النائم في حضن البرد الرماديّ. وها أنا أطبق جفنيّ على بقايا النّوم وأنا أركض والقطّة تلاحقني وتظنّ أنّني ألعب معها وعظامي تئنّ تحت وطأة الوجع والكهرباء وتتمدّد بكلّ بردها على فراش يحاول إبعادها عنه فتجمع رميمها وتتكوّر بحثا عن دفء محتمل في صباح بارد يرفع ستائره الرماديّة على ضوء خافت مازال الظلام يخالطه.

وحدها القطة في كلّ هذا البرد المعتم تجد حلم بياضها الدافئ وتسترخي متجاهلة حركة الصباح.

#وهيبة_قويّة


9 فبراير 2021

صداع صباحيّ

لوحة للفنّانة التشكيلية إيمان بن ابراهيم/ تونس
ضمن المعرض الجماعي: تنويعات نسائيّة

أفقت بعد ساعتين من النّوم الخالي من الأحلام بلا صداع ولكن مع وجع شديد في كتفي الأيسر وساقي اليسرى وخاصّة منها الكعب. وأعلن الصباح بدايته بسعال غريب شبيه بسعال العجائز حين يصيبهنّ البرد، خرج من أقصى رئتيّ وأحرق صدري. فأسرعت أنبّه حواسي.

اضطربت قارورة العطر الّتي لا تبتعد عن متناول اليد. فابتسمتُ لها. لا رائحة أفضل من العطور لأتأكّد أنّني لم أفقد حاسّة الشمّ. وتشمّمت رائحة الصّباح. فنفرت واختلطت وهربت. حملت وجع ساقي وكتفي وأحضرت قهوتي. فهي الطّبيب الّذي لا ريب فيه. مرارتها في كلّ رشفة ثابتة مع أنّ رائحتها باهتة وكأنّها أصيبت بوباء العصر.

لم أحدّثها كما العادة، واكتفيت بارتشافها. ربّما أظلم قهوتي بهذا. ولكن ما أفعله معها يحميها من هلوستي الصباحيّة ويطمئنني، إذ لم تصبح القهوة اختبارا لحواسّي فحسب بل معها أقتنع بفكرة الحماية الذّاتيّة من الفيروس الكوروني ومعها أبدأ بتطبيق مقولة "ما يلزّك على المرّ إلاّ الأمرّ". وقهوتي المرّة، وقد تركتُ مغازلتها، مرّ لذيذ وطبيب استعجاليّ في أيّامنا، ومؤنس عن بعد مثل الّذين نحبّهم وابتعدنا عنهم حماية لهم من المجهريّ الّذي قد يأخذ بأنفاسهم وأنفاسنا.

صباحي أيضا صار غريبا، لم يعد يأخذ بيديّ لأتفقّد ملامحي ولا يقودني إلى القراءة الّتي صارت بطيئة متعثّرة غائمة بلا تفكّر، حتّى تزايد عدد الكتب إلى جانبي تطلب فتحها فأفتح واحدا منها وأتهجّى سطرين وتبتعد بقيّة الأسطر عن عينيّ تاركة أثر نمل في الرّمل لا أتبيّنه وأعجز عن تتبّعه فأغلق الكتاب وأرتّبه فوق كتب الشّهر المختارة للمطالعة وأفتّش في رأسي عن غيمة تسعفني برذاذ فكرة ألاحقها حتّى لا يصيبني الخَرَفُ.

تحرّكت في مساحتي المتاحة من الصّباح قبل العمل وأنا "أخرّفُ" لنفسي عن رأس لا يسكنه الصّداع وعن مشروع مربح جدّا، سأفتح دكّانا لتغيير الرّؤوس لعلّ رؤوسنا بما حملت وفكّرت تخفّ عن أكتافنا وتقطف ثمرا يانعا لنحيا بسلام.

وصلني صوت مذيع الأخبار متقطّعا: "وزير الصّحّة... ورئيس الحكومة... عريضة سحب الثّقة... رئيس البرلمان... المحكمة الإداريّة... رئيس الحكومة... سنشهد تقلّبات الطّقس غدا...

أعدت صوت الرّاديو إلى حنجرته واستعرت أغنية لصباحي بصوتي الّذي بدا كصرير باب قديم:

"يا رايحين و الثّلج ما عاد بدكن ترجعوا

صرّخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا... "

وحين بدأ نشاز صوتي يغيب وعمل الغناء في رأسي عمله وجدتني أغنّي بصوت واضح:

"شو بدّي أعمل فيهن

نيّمهن وطعميهن

هيدا بدّو تبّولة

هيدا بدّو ملوخية

ناقص تقلي بطاطا وتقدّم ع الصينية

يا رئيس البلديّة"...

هكذا عاد الصّداع كالرّيح يعصف برأسي ويشوّش تفكيري ويقودني مع الغيم لأمطر في الصّحراء وفوق البحر.

وهيبة قويّة

من أنا بخير

11 مارس 2015

L'attente puise une mémoire de pluie

L'attente puise une mémoire de pluie


Belle narration lyrique ouvrant sur l'étoffe de la rêverie symbolique des contrastes entre l'eau vitale et son absence. L'impensable du temps et des variations entre l'attente et l'anéantissement dans le rêve. Faite de simplicité et rythmée selon le tempo imprévisible de la pensée et les association de l'imaginaire aventurier, cette narration poétique met en scène l'apprivoisement de l'attente et du recueillement en désir de pluie et de printemps. Hachée en image comme un montage cinématographique aux mouvements rythmés. Une scansion à peine esquissée comme une "prière à la pluie" (Istissqa'a), une succession d'images en noir et blanc où pointent des fulgurances d'arc-en-ciel, des mots qui se suivent en douce pluie et atteignent l'apaisement pensif.
Zouzi Chebbi Mohamed Hassen

Auteure : Wahiba Gouia
traduction française : Zouzi Chebbi Mohamed Hassen

Que sont jolies ces graines gouttes de pluie qui tambourinent aux fenêtres de son âme pour les ouvrir en grand sur des champs fleuris de toute beauté!

Quelle superbe beauté lorsqu'elle déploie ses ailes pour planer sous l'aile de la pluie et s'élancer dans les nuages en fredonnant les litanies de la vie. Pour un tel voyage, un compagnon est indispensable. Elle incita ce compagnon imaginaire à officier avec elle les rites de la pluie, ouvrit en grand les portes de l'attente. Elle resta ainsi à attendre en direction du balcon. La pluie lui ramènera son compagnon imaginaire tenant dans sa main une rose et un poème, comme à chaque fois...

 L'arôme du café se répandit, elle chuchota à la tasse qu'elle tenait toujours à se rappeler qu'elle était toujours dans sa chambre. Chambre du bonheur qu'elle avait construite pour y déposer ses souffrances et ses rêveries, s'y isoler en compagnie de son ange visiteur. "Il apparaîtra sur ta parois petite tasse à café, il n'a jamais aimé la pluie si ce n'est à cause de moi, je sais cela. La mémoire de la pluie chez-lui déborde de tristesses et de froid. Réchauffe-le". Elle s'en fut sous la pluie, poursuivant sa course, à pleuvoir parmi les nuages des mélodies qu'elle rythmait de ses pas..."A la gorge des nuages coulent des rivières de chansons, mon ange... Nous les écouterons ensemble... Où t'es-tu caché? Je ne sens pas ta présence sous la pluie drue... M'entends-tu?". Pour la première fois, elle ne sut pas le localiser... C'est son ange, son double, qui sait quand il lui faut apparaître, comme elle sait qu'il peut surgir à tout moment. Il s'était infiltré dans les moindres coins de son âme... Paupières closes, pour mieux graver le rêve. Son ange lui couvrit la tête de ses bras déployés, pour la mettre à l'abri de la neige qui couvrait déjà les trottoirs. "L'odeur du café n'est pas arrivée jusqu'à toi, mon ange? Viens dessiner avec moi une nouvelle mémoire de la pluie."
 Il ne l'entendit point apparemment. La neige se transforma en fièvre qui lui brûlait tout le corps. Elle se résigna à abdiquer son corps à la fièvre et écouta attentivement son pouls. Il criait le nom de l'ange, son double. Je t'attends mon ange, viens avant que la neige n'atteigne notre tasse de café, viens, je t'attendrais viens avant que mon âme ne se dissolve, viens!"
Les miroirs du rêve s’éclaircirent… Quelques nuages filants, pressés, annonçant une saison de sécheresse déplorable, d’espace ingrat désertifié, privé de couleurs… Dans un coin éloigné du rêve, la silhouette d’un mirage de palmier. C’est là qu’elle déposa son rêve en attente. Soudain, il se répandit dans les espaces vides des champs aux épis inféconds… Elle s’empressa à dessiner beaucoup d’arbres à cet endroit, à dessiner des fleurs, puis un soleil… Seules manquaient les couleurs.

« Où sont passés nos nuages pluvieux ? Où es-tu passé mon compagnon ami? Où sont mes couleurs que je puisse colorier l’espace de l’attente? Et où as-tu caché le grain de nos champs fertiles ? »

Elle demeura en attente, les yeux asséchés de toute humidité. Les nuages avaient séché aussi… Elle fut enveloppée de neige fiévreuse. Le balcon surplombait toujours le vide… Il lui faut résister, ne pas perdre la volupté de l’attente, elle va mobiliser toutes les eaux de son sang et toutes les couleurs que recèle sa mémoire pour embellir l’espace de l’attente avant qu’il ne la terrasse.

Elle n’a jamais pensé que l’attente pouvait un jour la vaincre. C’est pour cela qu’elle n’avait jamais désespéré… Elle ouvrit de nouveau le ruisseau et sollicita quelque nuage à l’horizon. Mais un froid s’était installé au balcon et aucun nuage n’apparut… Elle trembla de tous ses membres, puis se mit à trouer sa mémoire de quelques instants furtifs déjà vécus avec son ange, espérant que le nuage s’ouvre soudain et qu’il en jaillisse sur le balcon.

« Non! Je ne veux ni rose ni poème. Viens seulement partager ce café avant que la neige du conte ne s’amoncelle dans la tasse. » Le battement des pas sur le trottoir est ralenti, dénoncé par la blancheur de la neige… «Allons…encore un pas seulement, avant d’atteindre le terme du rêve. »…
Dans les alentours vides de l’espace qui l’entourait, elle entrouvrit les yeux sur quelques gouttes d’eau qui s’évertuaient à tendre un arc-en-ciel. Mais les couleurs étaient bloquées. Elle ouvrit, pour les mouiller, les paumes de ses mains. L’eau était chaude sur ses mains. Les gouttes d’eau tentaient de fuir la chaleur de ses mains. Elle les retenait avant de les projeter en fumée dans l’air…

Elle ouvrit les yeux comme si elle venait de traverser des années de sécheresse et d’aridité. Elle a vu les nuées de sauterelles fuir et quitter les champs du rêve. Que retentissent les chants des nuages sous forme de pluie fraîche fusionnée à la pluie tiède de son âme. De nouveaux ruisseaux sinueux s’ouvrent en elle et la conduisent vers un autre rêve…

L’odeur du café disparut et les effluves mélangés des nuages se répandirent de nouveau… Elle sourit. Elle apercevait son ange entre les gouttes de pluie. Elle le voyait à chaque fois que les nuages essoraient leurs larmes qui pleuvaient dans les siennes goute à goutte…
Il portait un manteau transparent. Elle lui demanda :«Tu crains encore la pluie ? » Il sourit, cligna des yeux et dit : «Ne dérange pas ma pluie en toi ». Il progressa loin dans son âme en lumières et en parfums et elle ne le vit plus. Elle le trouva et le sentit comme une rosée qui embrassait la fleur de la veine. Elle lui chuchota: « J’aime la pluie »… Il s’approcha de ses yeux et y versa ce qui lui restait dans les manches de son manteau. Puis partit loin… Quelques gouttes de ses larmes s’enfuient ruisselantes laissant la trace de leurs course en rose de fleurs d’amandiers dans ses vergers et annoncent la bonne nouvelle d’un nouveau printemps à attendre.


Auteure : Wahiba Gouia

 traduction française : Zouzi Chebbi Mohamed Hassen


5 يناير 2015

المطر... كما عرفته دائما

المطر... كما عرفته دائما
 المطر... أعرفه دائما كما عرفته وأنا صغيرة. فيه أمارس طقوسي كما يحلو لي. أعرفه... مع الأطفال في ساحات المرح البريء، نلعب ألعابنا الّتي يوحي بها إلينا سواء في  برك الماء الّتي يكوّنها ويتركها تحت أرجلنا الصّغيرة، أو في وحل نشكّله، بأيدينا الملتحفة بالبرد، خلقا جديدا بما يمليه فنّ الطّفولة، أوفي رائحة الأرض الّتي تشرب في انتشاء مياهها...
أعرفه كما عرفته دائما مع الأصدقاء الّذين كبروا ومضوا في مفارق الحياة، وبقيتُ حيث تركوني وفي داخلي طفلة لا تريد أن تكبر...
 أعرف المطر كما عرفته دائما... في ركضي تحت خيوطه هَرَبًا واحتماءً وسباقا مع الآخرين المارّين واللّاعبين والمتأخّرين عن أعمالهم...
أعرف المطر كما عرفته دائما... في إسراع الأمّهات إلى حبال الغسيل مسبِّحات بحمد من فتح أبواب السّماء بالغيث النّافع وآسفات على ما تبلّل من ثيابهنّ مُناديات على أطفالهنّ ليدخلوا البيوت وليحتموا من البلل... 
أعرف المطر... كما عرفته دائما، في التجائي إلى حضن أمّي باحثة عن الدّفء، وأعرفه في كوب الينسون والشّاي بالنّعناع واجتماع العائلة... أعرفه، في "تكتكات" إبر "التريكو" الرّتيبة بين يدي أمّي، تصنع صدارات الصّوف بحبّ لتقي أجساد جميع من في البيت من بردٍ وبلل...
أعرف المطر كما عرفته دائما في أسمار جدّي -رحمه الله- على بطولات بني هلال وعنترة وسيَر الصّالحين، وأعرفه في دعاء جدّتي لنا بأن تسلم مفاصلنا من غزو برد الشّتاء ونحن خارجون إلى المدرسة....
أعرف المطر كما عرفته دائما... بسذاجة المرأة الممزوجة بسذاجة الطّفلة القابعة في ركن منها ترتّب معالم ذاكرة لا تغيب... وترى المطر جليلا مهيبا حنونا دافئا....
أعرف المطر كما عرفته دائما كريما... يحمل إليّ ذكرى من أحبّهم...
وأعرفه إذْ ينهمر في الرّوح ويطهّر مسامّها من الغياب ويبعثه صورا حميمة دافئة. تؤنس وحدتي... فأمشي تحت المطر في الشّوارع وأجري، ألاحق ماضيا منبعثا في إشراقة الذّاكرة والنّفس...
وأعرف المطر كما عرفته دائما... في كره هذا أو ذاك لماء السّماء المندفع بقوّته مبلّلا كلّ ما تحته، وقد اجتاح البلل جسده الضّعيف فلا يجد كيف يدفئه...
 وأعرفه... في حلم فقير جائع مقشعرّ جسمه يحلم بخصب الرّبيع....
في كلّ هذا وأكثر، يظلّ المطر حبيبا إلى نفسي، يعطّر أنفاس الأرض ويعطّرني... وقد عرفته دائما مبدعا يلقي الخصب على لسان القلم، ويُؤجّج أنوار الذّاكرة، ويشعل أقمار الشّعر  زاهية تستشرف الأرض بما فيها ومن فيها توحي إليهم بأناشيدها الماطرة العطرة...
وأنا أعرف المطر كما عرفته دائما... يبلّلني بعبق الحياة ويدفع النّبض إلى شراييني.
وأعرف المطر إذْ ينهمر بسرّ الكون، وبخصبه ثمّ يطوي سحابه تحت جناحيْ برقه ورعده ويعتصر قطراته على وجه الأرض، وتتململ أجفانه نشوى ويختفي بين الغيوم مبتسما.
أعرفه وهو يلملم حُبيبات سرٍّ لو عرفتُه يوما فسأستمتع أكثر بمرح الطفولة... سأتسلّل بين حبّاته وننهمر معا بسخاء على وجه الأرض نرشف عطرها.
أنا أعرف المطر كما عرفته دائما... إذْ مع كلّ مطر أتنفّس عطر الأرض، وتتراءى لي جداول الماء المتجمّعة إلى أسفل الهضبة، فألاحق الصّور في ذاكرتي. وأشعر أنّي مثل فيضان مياه الأمطار وأُغرِقُني فيها... فنتنفّس معا سرّا لا أعرفه ويخفيه عنّي المطر...

وهيبة ﭬويّة
وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters