‏إظهار الرسائل ذات التسميات زاوية الكتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات زاوية الكتب. إظهار كافة الرسائل

9 يونيو 2024

كيف نقلّل عدد الحمقى من حولنا؟ قراءة في كتاب: محاط بالحمقى، الأنماط الأربعة للسلوك البشري/ توماس إريكسون

محاط بالحمقى/ توماس إريكسون

كيف نقلّل عدد الحمقى من حولنا؟

يعيش الإنسان في مختلف فترات حياته مع أشخاص مختلفين عنه في أشياء كثيرة وحتّى في إبداء الرّأي حول نفس المسألة. وهذا الاختلاف ينتج أساسا عن اختلاف سلوك البشر وشخصيّاتهم والّتي تتحدّد بنظرتهم إلى العالم من حولهم وبكثير من العوامل الحياتيّة والوراثيّة المؤثّرة. وكم احتجنا في معاملاتنا اليوميّة إلى فهم سلوك الآخرين وفهم شخصيّتهم لنتفاهم معهم وتتقارب وجهات النّظر تيسيرا للتعايش بيننا.

يسهّل فهم شخصيّة الإنسان الّذي نتعامل معه التّواصل بيننا ويجعلنا نحسن اختيار العمل والعاملين معنا ومن يعيشون معنا وحولنا ونكتسب خبرة لتحديد شركائنا في الحياة عامّة فنحقّق أفضل السّبل للتّعايش السّويّ، السّليم والسّلميّ.

ولكن كيف نفهم شخصيّتهم؟

وهل نحن قادرون فعلا من خلال معرفة نمط شخصيّة الآخر أن نصل إلى التّواصل الجيّد معه والتّوافق الميسّر للتّعايش الأفضل؟

على كلّ حال إذا حاولنا فهم أنماط شخصيّات من حولنا فإنّ ذلك أفضل لربح الوقت لإنجاز أشغالنا وحتّى لا نحكم على غيرنا بالغباء وبأنّهم لا يفهموننا في حين أنّنا، فقط، لا نعرفهم، وقد لا نقِلّ عنهم غباء.

إنّ الهدف من تأليف توماس إيريكسون[1] لكتاب "محاط بالحمقى"يتجلّى في قول كاتبه: «أحبّ أوّلاً أن يعرف النّاس أن الاختلاف هو طبيعة بشريّة، وقد اخترت عنوان كتابي "محاط بالحمقى" انطلاقا من العبارة الشّائعة على ألسنة كثير من الناس، الّذين يقولون: «إنّ جميع من حولي لا يفهمونني». والهدف من الكتاب هو مساعدة القرّاء على فهم أنفسهم والآخرين بشكل أفضل، وتحسين علاقاتهم وتواصلهم مع مختلف الشخصيات.»

واعتمد صاحب كتاب "محاط بالحمقى" نظريّة نشرت في 1920 تحدّد أنماط الشّخصيّات البشريّة المختلفة وفق منظومة تلخّصها الحروف  DISA وفيها يختزل كلّ حرف المميّزات العامّة لكلّ نمط من أنماط الشّخصيّة البشريّة وهي باختصار:

     الهيمنة

I التأثير  
الخضوع
القدرة التّحليليّة

هذا باختصار شديد ما يميّز كلّ نمط بحسب النّظريّة الّتي اعتمدها توماس إيريكسون، لأنّ كلّ نمط ستتفرّع ملامحه العامّة بمزيد من الدّقّة في الكتاب. إذ أسند الكاتب لكلّ نمط من هذه الشّخصيّات لونا ليسهّل على القرّاء فهم المصطلحات الصّعبة الّتي يفرضها العلم لدراسة أنماط الشّخصيّات والسّلوك البشريّ، وقد أخذت كلّ شخصيّة من لونها المسند إليها نصيبا وافرا من معناه ورمزيّته وأيضا من تصوّرنا نحن عن اللّون.

*   أنماط الشّخصيّات:

حلّل الكاتب توماس إيريكسون كلّ شخصيّة معتمدا على الألوان التّالية ومميّزات كلّ شخصيّة بعد دراسة لسنوات طويلة لمجموعات بشريّة مختلفة فأفضت نتائج بحثه إلى:

1/ الشخصيّة الحمراء: هي شخصيّة تتميّز بالمزاج الحادّ، والطّموح والهيمنة، والتنافس.

2/ الشّخصية الصّفراء: هي شخصيّة متفائلة تتميّز بالثّقة، تحبّ الحديث، وشخصيّة تقدّم أجوبة عن أسئلة غير متوقّعة لذلك يراها البعض شخصيّة ثرثارة والبعض الآخر يراها شخصيّة مسلّية.

3/ الشّخصيّة الخضراء: يتميّز صاحبها بالهدوء والاتّزان والتّسامح، وهو مستمع جيّد لا يحبّ أن يكون في دائرة الضّوء ولا يخلق ضجّة حوله. وهي عامّة الشّخصيّة الوسط بين كلّ الشّخصيّات.

4/ الشّخصيّة الزّرقاء: يتميّز صاحبها بالواقعيّة والقدرة التّحليليّة للمسائل، مع ذلك هو لا يحبّ مشاركة أفكاره ما لم يطلب منهم، يهتمّ بالتّفاصيل وقد يؤدّي ذلك إلى إبطاء العمل.

واستخلص الكاتب في البحث أنّ لكلّ شخصيّة من الشّخصيّات الأربعة أسلوبها السّلوكي والنّفسيّ المختلف عن الآخر.

*   أنواع السّلوك للشّخصيّات الأربعة:

رغم تميّز كلّ شخصيّة بصفاتها الخاصّة تشترك هذه الشّخصيّات في بعض السّمات السّلوكيّة والنّفسيّة، ويمكن تصويرها كما يلي:

- الأزرق والأحمر يوليان الأهمّيّة الكبرى إلى المهامّ والمسائل الموكولة إليهما

- الأصفر والأخضر يميلان إلى التّركيز على الأشخاص والعلاقات

- الأزرق والأخضر: يتميّزان بالانطواء والتحفّظ

- الأحمر والأصفر: أصحاب شخصيّة مبادرة

هذه السّمات المشتركة يمكن أن تجعل الشّخصيّات أكثر انسجاما إذا كوّنت فريق عمل وفق المميّزات الخاصّة أو المشتركة، وتسهّل على أصحاب الشّركات اختيار فرق العمل المناسبة لكلّ مهمّة ربحا للوقت ولأجل جودة أكبر.

فالأزرق المتميّز بالطّابع التّحليلي يمكن أن يجتمع مع الأخضر الّذي يميل إلى الاستقرار والثّبات.

أمّا الأحمر المحبّ للتحكّم والسّيطرة فالأفضل أن يكوّن فريقا مع الأصفر المتفائل.

ومن النّادر أن نجد تكاملا بين الأخضر والأحمر أو الأصفر والأزرق بسبب تضادّ المميّزات الخاصّة لكلّ شخصيّة.

يعني أنّه يمكننا تصنيف الشّخصيات بحسب اهتماماتها ودواخلها النّفسيّة للوصول إلى أحسن سبل التّفاعل والتّواصل.

ويجب أن لا ننسى أنّ كلّ إنسان لا بدّ أنّه مزيج من بعض الألوان بحسب شخصيّته. فلا يكون لون الشّخصيّة واحدا بل قد يجمع بين لونين أو ثلاثة ألوان، كما أنّ كلّ شخصيّة تجتمع فيها السّلبيّات والإيجابيّات يجب أخذها بعين الاعتبار.

*   التّكيّف مع هذه الشّخصيّات:

من أهداف هذا الكتاب هو أن نتبيّن كيفيّة التكيّف مع هذه الشّخصيّات في الحياة العامّة وكيفيّة التّعامل معها سواء في العائلة أو في المدرسة أو في العمل.

  فلكلّ شخصيّة طريقتها في الحوار والتّعامل مع الآخر.

فالأحمر مثلا يحبّ التّحدّث بطريقة مباشرة دون أيّ لفّ أو دوران أو إطالة أو إسهاب في التّفاصيل، وهو أكثر تقبّلا للعمل والإنجاز وسهل التّواصل معه إذا كنّا لا نضيّع وقته ونأخذه مباشرة إلى النّقاط الرئيسيّة من الموضوع بطريقة واضحة وصوت رصين وأدلّة ملموسة ذلك أنّه يميل إلى المواجهة المباشرة.

أمّا في تعاملنا مع الشّخصية الصّفراء فيجيب أن نكون منفتحين وودّيين ومستعدّين للضّحك وتبادل النّكت، كما ينصح أن نزوّده بجدول أعمال بالنّقاط الرئيسيّة لأنّه غالبا غير منظّم وينسى بسرعة.

أمّا مع الأخضر، فيجب تجنّب تسليط الضّوء عليه بالإيجاب أو السّلب، إذ هو يحبّ الاستماع إلى تعليمات واضحة أكثر من أخذ المبادرة ولا يحبّ التّغيير، لذلك يجب أن تكون توجيهاتنا إليه مجموعة من الخطوات الصّغيرة الّتي يمكن اتّخاذها في عمل ما.

وأمّا صاحب الشّخصيّة الزّرقاء فباعتباره شخصيّة تحليليّة يجب الاستعداد الجيّد للاجتماع معه وتدوين أدقّ التّفاصيل، وللتأثير عليه يجب أن تكون معلوماتنا صحيحة ويجب أن نستعدّ لأسئلته الدّقيقة أثناء الحوار حتّى وإن لم يعجبنا ذلك أو رأينا أسئلته نوعا من الاستجواب البوليسيّ.

إذن لكلّ شخصيّة طريقتها في الحوار والتّعامل مع الآخرين، ولكلّ شخصيّة خصوصيّاتها الّتي إن فهمناها كان تعاملنا معها "أقلّ حمقا".

*   دور الشّخصيات في تكوين فرق العمل النّاجح:

لماذا يجب معرفة شخصيّة الأشخاص الّذين نتعامل معهم؟

الأكيد، حسب الكتاب، حتّى لا يحيط بنا الحمقى. لذلك مزج الألوان يجب أن يكون بدقّة ومهارة فنّيّة، قدر الإمكان، ليكون التّفاعل والانسجام. وأدّى جمع الألوان إلى النّتائج التّالية:

أكثر فرق العمل توازنا هو مزيج الأحمر مع الأزرق، أو الأخضر مع الأصفر.

فإذا جمعت الأزرق والأخضر في فريق واحد فالغالب أنّه سيحدث مشاكل في اتّخاذ القرارات إذ تكون مفصّلة أكثر من اللازم ممّا يبطء سير العمل. فالعمل وإن أنجز فهو بطيء جدّا.

وأمّا مزيج الأحمر والأصفر فإنّه سيجعلنا نواجه إضاعة الوقت في الحديث لأنّهما لونان يحبّان الحديث دون الاستماع إلى الطّرف الآخر، فمزيجهما يعطّل العمل وإنجازه، فلا عمل.

وأمّا مزيج الأحمر والأخضر فمن أصعب المزج، فالشّخصيّة الحمراء تصف الشخصيّة الخضراء بأنّها كثيرة الشكوى من عبء الأعمال، والشّخصيّة الخضراء ترى بأنّ الشّخصيّة الحمراء متعجرفة وعدوانيّة. فلا توافق ولا اتّفاق.

وأمّا المجموعة من مزيج الشّخصيّتين الزّرقاء والصّفراء فتعدّ مجموعة صعبة التّحدّيات فالشّخصيّة الزّرقاء تتميّز بالتّحليل الدّقيق لجميع التّفاصيل في حين تنغمس الشّخصيّة الصّفراء في العمل من غير تحليل أو تحضير.

هكذا يكون تمازج الشّخصيّات في العمل حسب توماس إريكسون. فنجاح العمل موكول إلى نجاح الجمع بين أصحاب الشّخصيّات المتوافقة.

وهكذا نكون محاطين بشخصيّات مختلفة عنّا وليس بالحمقى.

*   لغة الكتاب:

الكتاب بحث علميّ جادّ نتج عن دراسة لنماذج بشريّة كثيرة واطّلاع على نظريّات اشتغلت على أنماط الشّخصيّات والسّلوك البشريّ، وحتّى على فلسفة أبقراط الّذي اهتمّ بتنميط السّلوك البشريّ.

وجاء الكتاب في منهج متماسك وتبويب واضح لعناصر البحث، تساوى كلّ قسم مع الآخر في عدد الصّفحات وفي العناصر الّتي بحث فيها ونوّع مع كلّ لون وشخصيّة الأمثلة من النّماذج البشريّة الّتي درسها والّتي عاش معها أو كان في تواصل معها أو رافقها في التّدريب أو العمل. وهذا ما جعل الكتاب يسير القراءة، في لغة سهلة رغم الجدّيّة العلميّة الّتي اتّبعها الكاتب في البحث، وربّما يعود ذلك إلى أنّ توماس أريكسون حاول الكتابة الإبداعيّة أو امتلك هذه المهارة الّتي قال في الكتاب بأنّه مارسها لفترة وجدّ فيها مع أنّ بعض من عرفهم لم يميلوا إلى تشجيعه على المواصلة أو استحسنوا ما كتب.

أكّد الكاتب على صعوبة تمييز الشّخصيّات، وعلى اختلاف طبائع البشر وأنّهم ليسوا قوالب نمطيّة لنتمكّن في كلّ مرّة تمييز شخصيّتهم خاصّة وأنّ كلّ شخصيّة تحتمل امتزاج لونين أو ثلاثة ألوان. والواقع ليس كما البحث. ولكن يبقى هذا البحث وسيلة لفهم الآخر وفهم الذّات.

*   ولذلك يبقى السّؤال: أسئلة القراءة:

هل من السّهل فعلا فهم الشّخصيّات الّتي نتعامل معها؟

هل يجب أن نمضي وقتا طويلا لنفهمها كما فهمها الكاتب، وهذا عمله؟

هل يمكننا بممارسة ما جاء في الكتاب أن نحصل على الخبرة الكافية لنفهم شخصيّة غيرنا؟

أظنّ أنّ ما حلّله الكاتب قريب إلى علم "الفراسة" الّذي كان يعتمده أجدادنا حين كانوا يتبعون الأثر في الصّحراء أو يحلّلون الملامح، أو حين كانوا يتعاملون مع عدد محدود من البشر. خاصّة وأنّ الكاتب قد "تفرّس" في ملامح شخصيّات كثير من البشر لعقدين كاملين ليحوصل تجاربه في الكتاب.

لكلّ منّا قدراته الّتي تؤهّله لأن يعرف شخصيّة من يتواصل معهم ولكلّ منّا بصمته الشّخصيّة الّتي أظنّ أنّها قد تعطّل فهمنا للآخر في حياتنا بعيدا عن إدارة الأعمال والشّركات و"التّنمية البشريّة" الّتي يمارسها توماس إريكسون. فهذا صميم عمله ومجال خبرته الّذي قد نأخذ منه نصيبا يخوّل لنا فهم الآخر ولكن في حدود خبراتنا الذّاتيّة والخاصّة.

هل يمكن، بعد فهمنا لأنماط الشخصيّات وما ينجرّ عنها من سلوك، تغيير الّذي نتواصل معه ليفهمنا ونفهمه؟

لن نغيّره ولكن سنصل إلى أن نقلّل عدد الحمقى من حولنا، وهذا في ذاته إنجاز كبير. فتخيّل أن يتمكّن المدرّس من فهم شخصيّات تلاميذه كم سيقلّل من درجة الحمق والغباء! لكن ليت الأمر بهذه السّهولة!

وهيبة قويّة


[1]   توماس أريكسون خبير سلوك سويدي ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا "مُحاط بالحمقى"، الذي تُرجم إلى أكثر من 40 لغةً، يسافر إريكسون في جميع أنحاء العالم لإلقاء المحاضرات والنّدوات للمسؤولين التّنفيذيّين والمديرين لأكبر الشرّكات العالميّة.

23 فبراير 2023

راوية الأفلام لــ: إيرنان ريبيرا... شيء من الأحلام

 

غلاف رواية: راوية الأفلام لـ: إبرنان ريبيرا

شيء من الأحلام...

«لا أريد أن آتي وأرحل كما الجميع... لا أريد ألاّ أترك أثرا... لا أريد أن أكون كالأخريات. أنا لست كالأخريات...» هكذا تقول البطلة...

بدأ "إيرنان ريبيرا" روايته بقول شكسبير: إنّنا مصنوعون من مادّة الأحلام نفسها. فتقول البطلة مارغريتا: إنّنا مصنوعون من مادّة الأفلام نفسها.

رواية ساحرة تأتينا من الشيلي بترجمة المتميّز صالح علماني...

تجربة رائعة أن تروي الأفلام على طريقتك فتتجاوز الأفلام إلى الأحلام بالإبداع.

وهيبة قويّة

12 فبراير 2023

إذا لم تكتشف "قوّة الكلمات" بعد فاسرق الكتب واقرأها...

غلاف كتاب سارقة الكتب بالعربيّة

إذا لم تكتشف "قوّة الكلمات" بعد
فاسرق الكتب واقرأها...
اسرق بعض الوقت لتقرأ "سارقة الكتب لــ "ماركوس زوساك"

ماذا لو روى الموت فصولا من حياة طفلة شهدت موت عائلتيْها فردا فردا؟

ماذا لو علّمتنا "سارقة كتب" كيف أنقذتها الكتب وقوّة الكلمات؟

ماذا لو أعدنا النّظر في الكلمات وكيف لها أن تغيّر العقل؟ أو أعدنا النّظر في الحياة والموت والحبّ... وفي الخوف...؟

ماذا لو أمسكنا الكتاب الكبير "سارقة الكتب"[1] للرّوائيّ الأستراليّ "ماركوس زوساك" بصفحاته الـــ 654 وعدت معه إلى ما بين سنتي 1938 و1945 وخضنا مغامرة الحياة والحرب والموت بعيون طفلة؟

وماذا لو تصفّحنا تاريخ النّازيّة على لسان الموت و"سارقة كتب"؟ أو تصفّحنا تاريخ الخوف؟ ...

غلاف كتاب سارقة الكتب 

ستأخذ بيدنا المتعة حتما ونحن نقرأ. فتصميم الرّواية مختلف عمّا عرفناه في تسمية الفصول وتفريعاتها. فكلّ تفريع إمّا أن يكون تمهيدا لكلّ الفصل، يكشف محتواه، مثل فهرس في كتاب، أو حوصلة له في جمل مختصرة تغيّر الفهم المتداول عن الرّواية وتدفع الحكاية بعيدا وأعمق.

تبدأ الرّواية بتعاليم البدايات، بما يشبه بدايات الكتب المقدّسة أو الفكر الإنسانيّ الباحث عن الأصول والبدايات:

«أوّلا الألوان.

ومن ثمّ البشر.

هذه هي عادتي في رؤية الأشياء.

أو على الأقلّ، هكذا أنا أراها، وفق هذا التّرتيب.»

هكذا يعلن الموت حضوره، ويصرّح بتولّيه سرد الحكاية.

وتصدمنا الحقيقة الّتي لا مفرّ منها، تأتي على لسان الموت: «إليكم حقيقة صغيرة، سوف تموتون» هكذا يبدأ الموت الرّواية وهو ينصحنا ألّا نقلق من هذه الحقيقة، ويضيف: «فأنا لست شيئا إن لم أكن عادلا.» وهل أعدل من الموت؟ أليس هو القادر على اتّخاذ المكان المناسب في الوقت المناسب ليراقب البشر؟

الكتاب حكاية مكشوفة في عناوين تفريعات الفصول مع ذلك تأخذ القارئ إلى عالم "عجائبيّ" (بقدر العجب الّذي يجعلنا نتأمّل البطلة الصّغيرة الّتي تعيش في الخوف وتحيا ملء الحياة وملء الكتب)، مع أنّه تاريخ واضح. تاريخ شديد الوضوح ولكنّه مال إلى التّخييل واختار ما يلائم حكاية "الموت" للحياة في تلك الفترة من خلال حياة طفلة. فالتّاريخ فترة الحرب الثانية بداية من 1938 حين تظهر البطلة الصّغيرة ليزيل ميمنغر وعمرها تقريبا ثمانية أعوام، وقد فقدت كلّ أفراد عائلتها، ويمتدّ إلى سنة 1945 بموت هانز وروزا هوبرمان أبواها بالتبنيّ، ورودي شتاينر صديقها، ونجاتها هي من تحت الأنقاض بعد قصف هدّم بيتها رقم 33 في شارع هيمل. ثمّ يختصر الموت بقيّة الأحداث حتّى تحين مهمّته في حمل روح ليزيل إلى حيث يجب أن يمضي بها.

الصفحة 297 من كتاب سارقة الكتب لــ ماركوس زوساك

الحكاية طويلة، تعلّم الصّبر على القراءة. وهذا الطّول له دلالته. فالحكاية "حكاية قراءة وكتابة" وكلمات تغيّر الحياة بقوّتها. مثل خطب هتلر الّتي يسخّر بها الشّعب ويوجّهه بها لما يريد، وقوّة الكلمات الّتي جعلت ليزيل ترى العالم من خلالها حتّى أنّها صارت تقرأ للمختبئين بالقبو وقت الغارات لتبعد شبه الخوف والموت.

وهي رواية شخصيات وليست رواية أحداث. إذ توجّه الشّخصيّات الحكاية ومن خلالها نجد المواقف المختلفة، من الشّيوعيّة والنازيّة واليهود والحرب والقراءة والكتابة والخطب والاستعراضات والسّرقة... والحياة والموت أيضا. حتّى أنّ القارئ نفسه يصير شخصيّة روائيّة يتّخذ مواقفه مع بقيّة الشّخصيّات. وقد لا يكون الحياد مبدأ أيّ شخصيّة في الرّواية، ولا مبدا القارئ، ولكنّ الجميع يحاول فهم موقفه من خلال زاوية الرّؤية الّتي اتّخذها ممّا يقرأ. ومن الأكيد سيخرج القارئ بكمّ من المشاعر المتضاربة الّتي يمكن أن تجتاح الإنسان تجاه بعض ما واجهه في تاريخه مثل النّازية وما حصل لليهود في ألمانيا زمن هتلر والموت الضّارب في كلّ الإنسانيّة بضراوته لأنّ الموت، ببساطة، "عادل" مثلما صرّح الموت الرّاوي من البداية «فأنا لست شيئا إن لم أكن عادلا.»... سينهي القارئ الكتاب ودوّامة الأسئلة تبعثر نفسه وإنسانيّته: كيف يسيطر على مشاعره فلا يوجّهه الكتاب إلى تبرير ما حدث بعد الحرب الثانية؟ وكيف يقرأ صفحة من تاريخ "الموت" فيجد معنى لحياته؟ وكيف لــ الكلمات الّتي يسمعها أو يقرأها أو يكتبها أن تغيّر حياته وتحميه من السّقوط في اللّاإنسانيّة؟

يخرج القارئ من الرّواية وقد عاش ملامح سنوات لشخصيّات تطوّرت بمواقفها وقراءتها وفهمها للموت وللحياة واكتسبت التّجربة والموقف وماتت تاركة ليزيل تواجه الحياة. فنرى الحياة... نراها بعيونها الصّغيرة، وبسرقة الكتب وبتأليف كتابها "سارقة الكتب" الّذي أنقذها من الموت، وعبر الصّور الّتي احتواها كتاب "المراقب" الّذي كتبه ماكس فاندينبيرغ اليهوديّ لــ ليزيل وهو مختبئ في قبو بيتها... بسيطة هي الحياة، ولنفهمها كان لا بدّ أن يرويها الموت بالّذات ويختار ما يناسبها من زاوية رؤية يحدّدها هو.

وكان لا بدّ، أيضا، أن يحشد الرّواية بعناوين كثيرة من الكتب المسروقة.

لماذا هذه السّرقة؟  

تجد ليزيل متعة القراءة في الكتب المسروقة أكثر من الكتب الّتي لا تسرقها. يقول الموت الرّاوي: «وفي وقت لاحق عندما كتبت ليزيل المراهقة عن تلك الكتب أشارت إلى أنّها لم تعد تذكر العناوين، ولا عنوانا واحدا. ربّما لو سرقت تلك الكتب لتذكّرتها على نحو أفضل.» وهي تسرق أيّ كتاب وتترك للقراءة لذّة اكتشاف كلماته. فأوّل كتاب كان "دليل حفّار القبور" وهو كتاب يقدّم اثنتي عشرة خطوة لتحقيق النّجاح في حفر القبور... كتاب ذو دلالة هامّة للرّاوي، الموت. وهو الكتاب الّذي تعلّمت به ليزيل أوّل كلماتها. والّذي بقدر ما فتح لها أبواب الكلام والقراءة وعلّمها السّيطرة على الخوف من النّازيين والحرب، حفر القبور لعائلتيها الأصليّة وبالتبنّي، ولجيرانها ولصديقها رودي. كان أيضا كتاب التحدّي والردّ على المتنمّرين في الفصل حين لم تعرف كتابة اسمها في أوّل أيّام التحاقها بالمدرسة، فهو فاتحة الكتب المسروقة، وكان أفضل فعل يناسب موضوعا من أهمّ مواضيع الرّواية وهو القراءة في زمن الخوف وقيمة الكلمات في تغيير العقول، كما جاء الكتاب تحدّيا لحرق الكتب في زمن هتلر.

وإذا ما تتبّعنا العناوين المسروقة بعده وجدنا خطّة مثيرة. فالعناوين الّتي تسرقها ليزيل اعتباطا تصير وظيفيّة في الرّواية وتناسب مقام الفصل. إذ سرقت من النّار الّتي التهمت جبلا من الكتب، رواية اللامبلاة وهي رواية عن: «بطل الرّواية يهوديّ يظهر بمظهر إيجابيّ، وهذا أمر لا يغتفر. حيث يسرد الكتاب قصّة رجل غنيّ تعب من ترك الحياة تمرّ أمامه، ويصف وصوله إلى حالة من اللاّمبالاة بالمشاكل والملذّات الّتي يحظى بها الإنسان خلال حياته على الأرض.»، يليه كتاب رجل الصّافرة، وكأنّه يذكّر بصافرات الإنذار وصوت القنابل، ثمّ أغنية في الظّلام... وكيف لا تسرق مثل هذا الكتاب وأبوها بالتبنّي هانز يعزف لها الأكرديون في القبو ليلا على ضوء فتيل؟ نفس القبو الّذي خبّأت فيه العائلة الملاكم اليهوديّ ماكس والّذي كانت له نفس كوابيس ليزيل.

وجد الرّاوي تبريرا لمساعدة عائلة ألمانيّة خائفة ليهوديّ هارب من الفوهرر الّذي واجهه في مباراة ملاكمة، وهو الصّداقة الّتي جمعت في الحرب السّابقة والد الفتى بصاحب البيت هانز. هل هذا السبب كافٍ لتعرّض العائلة نفسها للخطر وتعيش الخوف؟ هذه العائلة حرصت حتّى على مظهر ليزيل حين تبنّيها وانتبهت حتّى إلى لون شعرها «والّذي كان ذا سمة قريبة بما فيه الكفاية من شقراء ألمانيّة». ولكن أليس ذلك محاولة لضبط مفهوم الإنسانيّة في ألمانيا النّازيّة، الإنسانيّة الّتي انتهكتها قوّات هتلر؟ خاصّة وقد ذكرت حادثة "ليلة الزّجاج" الّتي حطّم فيه النّازيون محلاّت اليهود بألمانيا، أو وصف الاستعراض الفرجويّ لليهود وهم يساقون نحو المعسكرات أو المحارق. هذا الجيش الّذي رآه رودي الطّفل سارقا إذ يقول لـليزيل: «أتعرفين يا ليزيل، كنت أفكّر في أنّك لست سارقة على الإطلاق... أنا لا أسمّي تلك سرقة. فالسّرقة هي ما يفعله الجيش. إنّه يسرق والدكِ ووالدي... كلّ هؤلاء النّازيّين الأغنياء هناك، الّذين يقطنون في شارع جرانده، وشارع جيليب، وهايده، كلّهم سارقون.»

هكذا يصوغ الأطفال كلماتهم ويعطونها القوّة، ويصفون العالم من حولهم. فسرقة الكتب ليست سرقة، وقد تفطّنت إلى ذلك زوجة رئيس البلديّة الّتي فتحت مكتبتها لـليزيل، وتركتها تسرق منها كتابا بعد كتاب دون أن توقفها... بل أهدتها كتابا فارغا لتكتب فيه روايتها الخاصّة "سارقة الكتب".

حفلت الرّواية بالكُتب والكتابة والحروف والقواميس، قاموس هانز على جدران القبو، وقاموس دودن وهو أوّل قاموس ألماني وضع في 1880. ولم يكن مجرّد ذكر لأجل ظاهرة سرقة الكتب، بل لإعطاء الكلمة قوّتها، وكانت وازعا لأن يعرض الموت فلسفته ورأيه في الإنسان وهو يروي حكاية الإنسان، وإظهار مقدرته على معرفته يقول: «والنتيجة هي أنّني دائما ما أجد البشر في أفضل حالاتهم وأسوئها. أرى قبحهم وجمالهم وأتساءل كيف يمكن للكائن نفسه أن يكون هذين النّقيضين في آن. ومع ذلك، فهم يمتلكون شيئا واحدا أحسدهم عليه: لدى البشر، دائما وأبدا، القدرة على الموت.» وهذا جواب لمن يرى بأنّ للإنسان القدرة على الحياة. لذلك لم يهتمّ بـليزيل حين نجت من الموت تحت أنقاض الشّارع وعاد إليها حين جاء موعد أخذ روحها. فالموت لا يمكنه أن يرى الإنسان إلاّ في الموت، وأمّا الحياة فهي فعل لا يدخل ضمن اختصاصاته. فالحياة من اختصاص ليزيل: «أردت أن أحدّثها عن الجمال والوحشيّة. ولكن ماذا في وسعي أن أقول لها عن تلك الأمور الّتي عرفَتْها واختبَرَتْها بالفعل؟ أردت أن أشرح لها بأنّني نادرا ما أقدّره حقّ قدره. ببساطة أردت أن أسألها كيف يمكن للشّيء نفسه أن يكون قبيحا جدّا وجميلا جدّا في آن معا، وكيف يمكن لكلماته أن تمتلك هذا القدر من القوّة التدميريّة والرّوعة الفائقة في الوقت عينه؟»

بهذا أرى أنّ الرّواية تكمن في فهم مواقف الإنسان زمن الحرب وكيف تلوّنه الحرب بلونها، فلوّنت النازيّة الألمان المتعصّبين ليواجهوا حياة البشر الّذين لم يتلوّنوا، وظلّوا في ركن من الحياة يحيون بإنسانيّتهم الخائفة من الظّلم والاستبداد ويتبعون ضوء الكلمات، مثَلُهم في ذلك حياة ليزيل الّتي «استمرّت في حمل الكتاب، كما لو أنّها تتشبّث يائسة بالكلمات الّتي أنقذت حياتها.»

يلخّص الموت رؤيته لـ "الموت" زمن الحرب، منذ البداية حتّى انتهى إلى فلسفته الخاصّة بعدالته تجاه الإنسان، فأيّ قوّة تحدّد وجود الإنسان؟ قوّة الكلمات الّتي تنقذه وتغيّر العالم، أم قوّة التّدمير الّتي تضعه تحت "جبل من الأنقاض" يرتع خلاله الموت؟ وأيّ معنى للحياة وللموت؟

"سارقة الكتب" رواية تسرق مشاعرنا ولكنّها تمنحنا عدالة الحياة، أو عدالة الموت... بحسب توفيقنا في اختيار القوّة الّتي نمارس بها "سرقة الحياة". يقول الموت الرّاوي: «إنّها قصّة أحد أولئك النّاجين الدّائمين، أحد الخبراء في البقاء على قيد الحياة، دون غيرهم. إنّها في الحقيقة مجرّد قصّة صغيرة حقّا، تدور عن وبين العناصر التالية:

·       فتاة.

·       بعض الكلمات.

·       عازف أكرديون.

·       بعض الألمان المتعصّبين.

·       ملاكم يهوديّ.

·       والكثير من السّرقة."

لذلك اسرق بعض الوقت لتقرأ "سارقة الكتب لــ "ماركوس زوساك"

الغلاف الخلفيّ لكتاب سارقة الكتب


لقراءة الكتاب، هذا رابط قراءة وتحميل على موقع فولة بوك FOULA BOOK

وهيبة قويّة


[1] سارقة الكتاب: The Book Thief ‏هي رواية للكاتب الأسترالي ماركوس زوساك. نشرت للمرّة الأولى عام 2005 حصدت الرّواية عددًا من الجوائز، وتُرجمت إلى 63 لغة، وبيعت منها حوالي 16 مليون نسخة ورقيّة. تحوّلت إلى فيلمٍ عام 2013.

نُشرت الطبعة الأولى للنّسخة العربية من الكتاب تحت عنوان «سارقة الكتب» في عام 2018، وهي من ترجمة المُترجمة السورية دالية مصري، وصدرت عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع. (عن ويكيبيديا)

 

22 يناير 2023

قراءة في "فنّ الحياة سعيدا" من خلال "كتاب الإيكيغاي الصّغير" لـــ "كين موغي"، وهيبة قويّة

كتاب الإيكيغاي الصّغير لــ "كين موغي"
 

قراءة في "فنّ الحياة سعيدا" من خلال
"كتاب الإيكيغاي الصّغير" لـــ "كين موغي"

كنت أتصفّح قائمة كتب يابانيّة حين طلع عليّ عنوان " كتاب الإيكيغاي الصّغير" لــ "كين موغي". الإيكيغاي، كلمة غريبة، طبعا لأنّها يابانيّة وأنا لا أعرف اليابانيّة.

أثارني العنوان خاصّة وقد نعت الكتاب بالصّغير، (ودار في رأسي عنوان: الأدب الصّغير والأدب الكبير لابن القفّع) فأردت معرفة الصّغير، وحدّثت نفسي أنّي إن وجدته مسلّيا فسأبحث عن معرفة الكبير ثمّ ما هو أكبر. ما أثارني أكثر هو العنوان الجزئيّ الطّويل تحت العنوان الكبير على كتاب صغير الحجم (86 صفحة) "الأسلوب اليابانيّ المثاليّ لمعرفة هدفك في الحياة". وبنظرة متفائلة، رأيت أنّ الكتاب مناسب لصباح متكاسل يبحث لي عن مثير للخروج من دفء الفراش إلى برد مفاجئ في الطّقس، ومناسب أيضا للإنفلونزا قبل مفاجآت العطاس والسّعال والحمّى. وقد كثرت مفاجآت الكتاب منذ صفحاته الأولى ثمّ... عنوان الفصل الثاني: "سبب نهوضك من السرير صباح كلّ يوم." أظنّ أنّ الكتاب بحث عنّي ووجدني، ابتسمت للكتاب وكاتبه وأنهيت القراءة بسرعة، ولم أخرج من الفراش. فالكتاب من النّوع الّذي يحتاج إلى قراءة ثانية لأستفيد تطبيقيّا بنظريّة السعادة فيه. فهذا نوع من الكتب يظهر ليسعد القارئ لذاته قبل أن يضعه أمام أسئلة الوجود البسيطة ليجد، لا أهدافه فحسب، بل أيضا سعادته كلّ يوم.

تحدّث "كين موغي" في كتابه " الإيكيغاي الصّغير"، عن أساليب حياة اليابانيّين في تحقيق السعادة من خلال قواعد في ظاهرها بسيط، تتجلّى في أبسط ما يمكن أن يفعله الإنسان خلال يومه، وهو يعرض أساليب حياة أهالي جزيرة "العمر الطّويل" إيكيناوا اليابانيّة، ونماذج من الحياة اليوميّة اليابانيّة المستمدّة من ثقافتهم القديمة المتوارثة منذ مئات السّنين، مثل تقاليد شرب الشّاي واجتماع الساموراي حوله، وتقاليد ممارسي رياضة السومو، وعمل بعض الحرفيّين... ممّا يفتح نافذة على ثقافة اليابان الّتي تكشف فلسفة الحياة عند هذا الشّعب من خلال مظاهر تفانيه منذ القدم في "العمل"، مهما كان بسيطا، والإخلاص له وإتقانه الذّي عزّ عند كثير من الشّعوب، أو ممارسة الحياة اليوميّة في تفاصيلها البسيطة. فشعب اليابان مثلا لا يعرف "التقاعد" ولغته ليس فيها كلمة "تقاعد" وأوّل ما يتعلّمه الأطفال في اليابان هو كلمة "المثابرة" والّتي يعتبرها اليابانيون أوّل بنود السّعادة وطول العمر.

ومن هنا ظهر مبدأ "الإيكيغاي" فهي كلمة تعبّر عن أسلوب حياة المعمّرين في جزيرة إيكيناوا باليابان. وتعني أحداث الحياة اليوميّة البسيطة، وتعني الأهداف الكبرى أيضا. ولغة تعني "إيكي" يعيش، و"غاي" سبب. لتدلّ على مبدأ روحيّ معناه أن يجد كلّ إنسان سببا يعيش لأجله. ويتلخّص في حسن تقدير الحياة والحلم الّذي لأجله يعيش الإنسان وذلك بتقدير التّفاصيل الصّغيرة. ويأخذ الكاتب مثالا لذلك، من بين أمثلة كثيرة، أنّ الّذين لا ينهضون من فراشهم صباحا لن يجدوا الرّغبة في الحياة وعليهم البحث عن المعنى يدفعهم للنّهوض باكرا. فالإيكيغاي إذن يلخّص حكمة اليابانيين في الحياة المتميّزة بالرّقّة والأخلاق والأفعال المتأصّلة في المجتمع الياباني، والّتي تطوّرت عبر مئات السّنين وجعلت اليابانييّن يعمّرون طويلا وينعمون بالسّعادة في "إيكيناوا" خاصّة ثمّ في كلّ اليابان. ويمكن لكلّ إنسان غير يابانيّ أيضا أن يجده.

فالإيكيغاي هو نمط حياه يوميّ يقوم على تنشيط العقل، والاستمراريّة في الانتاج، واتّباع الشّغف لتقوية الرّغبة في الحياة، واتّباع نظام غذائيّ معيّن، والحرص على الرياضة، والنّوم الكافي والاهتمام بالرّوح المتفائلة والابتسامة. وهو ما سيجعل كلّ شخص ينعم بالإيكيغاي، فلكلّ شخص إيكيغاي خاصّ به.

ويفصّل "كتاب الايكيغاي الصّغير" كيف يتوازن الإنسان في حياته لتحقيق السّعادة. وكيف يصنع النمط الّذي يناسبه للعيش بالإجابة عن أسئلة أربعة تهتمّ بحياته وهي:

- ماذا يحبّ؟

- ماذا يجيد؟

- ما الّذي يمنحه مكافأة/ راتب؟

- ماذا يحتاج العالم من حوله؟

ويكمن الإيكيغاي في المشترك بين هذه المسائل، لذلك على كلّ شخص يحسن الإجابة عن هذه الأسئلة ليحصل على الإيكيغاي الخاصّ به. فإذا عرف بداية الطّريق فسيجد سعادته الخاصّة إذا اتّبع طريقه بهذه الأركان الخمسة وهي:

1/ البدء بالأشياء الصّغيرة.

2/ إطلاق العنان للنّفس.

3/ التناغم والاستدامة.

4/ متعة الأشياء الصّغيرة.

 5/ عيش اللّحظة.

ويقول "كين موغي" في مقدّمة الكتاب عن هذه الأركان: «غالبا ما تكون هذه الأركان مطروحة على بساط البحث والنّقاش، لأنّ كلّ ركن منها يتيح للسّعادة أن تزدهر. والجدير بالذّكر هنا أنّ هذه الأركان ليست ذات طبيعة تبادليّة، وليست في الوقت عينه حصريّة أو شاملة، كما أنّ لا ترتيب هرميّ لها. ولكنّ هذه الأركان مجتمعة تكوّن مفهوما أساسيّا للسّعادة، وستكون دليلا أثناء قراءتك الصّفحات التّالية الّتي ستؤثّر في حياتك. هذه الأركان سيكون لها على الدّوام عظيم الأهمّيّة في الحياة»

ورغم أنّ الكاتب اعتبر كتابه رحلة استكشاف إلاّ أنّ القارئ سيجد أنّ هذه الأركان الخمسة هي منهج الحياة الّتي تتشبّع بها طاقة الحياة عند اليابانيين ويمكنه الاستفادة منها في حياته الخاصّة. وهي فلسفة في ظاهرها البساطة ولكنّها عميقة حين تصير جزءا من الحياة الّتي نحياها وحين نضع هدفنا ونمضي بثقة الأطفال بأنّ كلّ شيء ممكن، وبأنّ كلّ ما ننجزه، مهما كان بسيطا، فإنّه يحقّق السّعادة ويضمن الشّباب الدائم ويغيّر حياة الإنسان بشكل كامل وجذري، ويجعله ينعم بصحّة جيّدة وأكثر سعادة ورضا ويخفّف من ضغوط حياته، إضافة إلى أنّه يجعله أكثر إبداعا ونجاحا إذا عرف كيف يقدّر هذه الفلسفة الحياتيّة ويتعلّم كيفيّة تطبيقها فى حياته.

هذا بإيجاز فنّ "الإيكيغاي" لـ "كين موغي" في كتاب صغير بأفكار عملاقة.

قد ننسى أشياء كثيرة لا نقولها في تلخيص الكتب، ولكنّ الأكيد أنّنا نقول ما يعجبنا من الكتاب. وما أعجبني هو الكلام القليل والجمل المحدّدة الّتي تحوصل فلسفة كاملة موضوعها القواعد الخمسة لتكون سعيدا وتحافظ على شبابك وأنت تتقدّم في السنّ.

فإذا أعدنا السّؤال: كيف نحقّق سعادتنا تذكّر المثل اليابانيّ «سِرْ ببطء وستصل بعيدا» وجملة "كين موغي" في آخر الكتاب: «أنت لا تحتاج إلى الثّورة بل تحتاج إلى التطوّر.» نعم: التطوّر. فالسّعادة لا تكون إلاّ باتّباع خطوات ثابتة مهما كانت قليلة تبلغ إلى التطوّر وتبعد عن الثّورات والتوتّر "مقصّر العمر" و"ماحي السّعادة". ماذا سنجني من ثورة تزلزل كلّ شيء وتجعلك ترى سعادتك في يد غيرك. ابتسم واشرب قهوتك وضع هدفا بسيطا ليومك وثابر، ستخرج من فراشك حتما ولو لأجل قطعة شوكولا تركتها في الثلاّجة أو لأجل قهوة تشارك بها أفكار كاتب يحاول أن يصف لك كيف يعيش أهل "إيكيناوا" المعمّرين السّعداء فيدفعك إلى شريان الحياة... ببساطة، وبابتسامة.

كين موغي، يابانيّ آخر أضيفه إلى قائمة الكتّاب اليابانيين المثيرين بأسلوبهم الشيّق البسيط الواضح العميق وكتاباتهم المنهجيّة وأحيانا السورياليّة، ويسعدني أن أحفظ الاسم "كين موغي" مع كتّاب اليابان هاروكي موراكامي، يوكو مشيما، ياسوناري كواباتا...

وهيبة قويّة

 لقراءة الكتاب ادخل إلى الرابط التالي:

اضغط هنا

noor-book.com/grq2pw

19 يناير 2023

راس العين كتاب لـ: سلوى الراشدي

 

راس العين كتاب لـ: سلوى الراشدي

نصّ متأصّل في عاميّة ولاية القصرين (سبيطلة)، نصّ أصيل، تونسيّ، ينبش في ذاكرة أصيلة... امرأة، ثورة، بلاد، فروسيّة... حكاية من نسيج سرديّ قويم مطرّز بشعر مال إلى الغنائيّة والمواويل في شجن يدخل الرّوح ويتملّك بمسامها. فتعشق الرّوح النصّ والحكاية وتصير عينا قارئة وأذنا صاغية...

نصّ فصيحٌ، لسانه التّراث والموروث الأدبيّ الأصيل في عاميّة البلاد.

مبدعة سلوى الراشدي، وهي تأخذنا في تفاصيل راس العين مع المانعة وعبادة والوفاء...

مانعة وعْبادة... عتبة تحتاج وحدها إلى وقوف طويل في معنى الاسمين وفي نسيجهما داخل معنى الحكاية، حكاية الثورة مع عليّ بن غذاهم، وثورة القلب، وثورة النّفس حتّى الرّمق الأخير...

وهيبة قويّة

15 يناير 2023

إذا لم تدخل متاهة بعد، فاقرأ دمية كوكوشكا لأفونسو كروش، وهيبة قويّة

إذا لم تدخل متاهة بعد،

فاقرأ دمية كوكوشكا لأفونسو كروش.

هل جربت أن تدخل متاهة؟

هل تظنّ أنّك قادر على دخول متاهة والخروج منها سالما؟

هل فكّرت يوما أن تلتقي ببعض الناس، أو تلتقي بي ولو على سبيل الافتراض «في اللانهاية، مثلما تفعل الخطوط المستقيمة المتوازية»؟

يمكنك أن تجرب الإحساس بالضياع في عالمك أو أن تخرج من القفص الّذي في داخلك حين تغامر بقراءة رواية "دمية كوكوشكا" للروائيّ البرتغاليّ أفونسو كروش، وسترى كيف تخرج من المتاهة بتجربة حياة فيها الفلسفة ممزوجة بالسذاجة، والواقع بالخيال، والحقيقة بالأسطورة، والفنّ بالفوضى أو بالعدم، والأديان بالإلحاد، والحرب بالحبّ، والقنابل بالموسيقى، وعالم الرواية بالرسم، والسرقات الأدبية بالبحث عن الشهرة بأسماء كتّاب آخرين...

ستَعُدُّ فصول روايتك بالآلاف حتّى تصل إلى فصل اللاّنهاية، وتقفز في الرواية على أحداث عشرات الفصول لا تكتبها، أو ربّما ألف فصل لم تكتبه، ولكنّك تظلّ ممسكا بزمام الرّواية وتجد لها المنطق المناسب لتكملها دون خلل في مبناها أو معناها...

وستقف أمام باب الغرفة الأخير، «باب الشارع»، «الوحيد الباقي لنا كي نفتحه في شقتنا.»

وستتأكّد أنّ «رؤية العالم لا تقتصر على ما نراه فحسب... إنّها أيضا الشيء الّذي نتخيله»، وأنّه «لا يوجد أيّ شيء أكثر كمالا من الأدب.» لأنّ حياتنا تحاكي الفنّ كما في عنوان أحد الفصول الأخيرة من الكتاب.

هذه الفصول الكثيرة القصيرة ذات العناوين الطويلة الّتي تجعلك تسأل في كلّ مرّة تقلب فيها الصفحة: إلى أين سيأخذني هذا الكاتب المجنون؟ أو: كيف سيخرجني من هذه المتاهة؟ أو: إلى أين يسحبني بكلّ هذه الخيوط المتشابكة؟ أو ربّما تصيح بالكاتب: ارحل أيّها المجنون واتركني أضيع.

وقد تفكّر بترك الكتاب ولكنّه يلتصق بيديك وعينيك ويسحب وعيك ولا وعيك وخيالك ويشدّك لتكمل كلّ حرف فيه ثمّ تعيد قراءة جمل بعينها وأنت تضحك لحروف الأبجدية كلّها وربّما ترتّلها في صلاتك مثل "إسحاق درسنر" وتقول آمين لأنّك لا تعرف كيف ترتّب الحروف في كلمات تقول ما تريد الصلاة به بين يدي الله. وستبتسم أيضا لكلّ الناس وأنت تسند إليهم الأسماء وفق السلّم الموسيقيّ.

وقد تعيد النظر في الحرب الثانية وتقرأ ملامح الإنسان الذي خلّفته فتوافق الكاتب أو تختلف معه لأنّ الحرب تغيّر الرجال: «لم يعد رجلا، كان حطاما آخر من حطام العالم، كبقايا طعام. داخل عينيه يُرى جيّدا فراغ مفتوح فيه قنابل.» وقد تسرح مع معزوفة "الدموع" لـــ"جانغو رينهارت" ثمّ تعيد النظر في ظلالك اليوم... نعم، اليوم، الآن وهنا، ثمّ تفكّر في كلّ ما حدث ويحدث وما سيحدث لأنّ الزمان له أكثر من بُعد في اللّحظة الواحدة التي يمرّ بها...

وقد تنسى الزمان وتصير "بيغماليون" وتصنع دميتك بكلّ تفاصيل حبيبتك وتجاعيدها أيضا ثمّ تبعث في هيكلها صلاتك وفراشات الروح، أو تحطّمها لأنّك تريد الحياة بلا أقفاص، ولأنّك ببغاء أو كناري أصيل ولا تزيّف ألوان ريشك لتصير شبيها بأيّ طائر آخر... لأنّك حرّ، ولأنّك فتحت أبواب القفص بداخلك، ولأنّك فتحت باب الشارع الأخير في بيتك، ولأنّ مرضك له اسم، ولأنّ صلاتك على قدر نيّتك وثقتك بالله، ولأنّك تعرف أنّ الله لا "يلعب السكرابل" ويعرف صلاتك وفراشة روحك وخطاياك وصلاحك وألوان لوحاتك وطلاسم "لوحك"... لأنّك ببساطة إنسان بسيط وحرّ.

قد تنهي الكتاب بحكمة تعلّمتَها وأنت تدور في متاهاته، وقد تخرج بملامح عالم جديد بأبعاد ثلاثية ورباعية وخماسية وأنت تتهجّى أبجديّات عالم غرائبيّ... وقد تخرج وذهنك خال من كلّ حدث وأنت تبحث عن ذاتك، ولكن ستخرج حتما من المتاهة برأس جديد لأنّ «رؤسنا عالم من الأشباح ولا توجد جراحة عصبية للمخّ يمكن أن تُجرى للخرافات. عليهم أن يبدّلوا طاولة العمليات بلوح الويجا، لوح الروح.» وستفرح حتما لأنّك خرجت من القفص الّذي بداخلك وصار ظلّك عصفورا.

وستفرح أيضا لأنّك ستواصل المسير في متاهة الحياة وأنت لا تملك أن تصنّف الكتاب ضمن الروايات ولا ضمن الفلسفات ولا ضمن بعض نظريات الرياضيات والفيزياء، لأنّها كلّ ذلك معا. وستنهي الكتاب وفي ذهنك كلّ الألوان والأشكال والموسيقى والقصّ الغرائبي لتعيد رسم عالم نجا من الحرب ومن «الأربعة آلاف طنّ من القنابل الّتي سقطت على درسدن خلال الحرب العالميّة الثانية.» ولم يبقَ منها سوى ظلالها السوداء، وتفاصيل مشتّتة. سترسم هذا العالم ولكنّك حتما لن تزيّف ألوان العصافير ولن تسرق رواية "توماس مان" ولن ترتّل للإله صلاتك المشتتة ليرتب حروفها بنفسه لأنّك لم تعد ساذجا، ولست مجرّد أشلاء ممزّقة، ولأنّك لست فيلا في دكّان من زجاج، ولا رجلا برأس به ثلاث نقاط مسترسلة، ولا كائنا ورقيّا تخدعه ظلاله، ولا صوتا تحت الأرض مختبئا يملي أسعار البضائع على الآذان الملتصقة بالأرض... ولست مجازا ولا فصلا منفصلا في رواية مؤلّفة من حروف سكرابل أو "باتشوورك" Patchwork تجمّع قطع نسيجه خيوطُ اللّغة في نسيج عجائبي، وفي رواية مضمَّنة تقفز على فصولها في رواية مفكّكة تحاول تجميع أجزائها وفرض منطقها...

أحببت متاهة أوفونسو كروش الروائيّ الرسام الذي يفكّر برأس الرسام ليكتب بألوان روائية مختلفة فتضع السؤال المناسب عن روحك وتتأكّد أنّها بوزن فراشة ليس أكثر، فتطلقها نحو النور لتحترق بنار المعرفة وتصير شعلة حياة. بل تصير كائنا ضمن لوحة تشكيليّة تطردك من مساحتها وتجعل منك المسمار الذي يشدّها إلى الجدار حتّى تراها مكتملة لأنّه «لا يوجد أيّ شيء أكثر كمالا من الأدب» وتحديدا الأدب الذي يفرّ شكلا ومضمونا إلى لوحة رسّام وإلى موسيقى الروح وإلى "لوح الويجا" ليُجري بنفسه عمليّة جراحيّة على الأشباح في الخرافات الّتي في رأسك حتّى ترى العالم كما تتخيّله أو كما يفترض أن يكون.

أخرج من المتاهة، متاهة "دمية كوكوشكا" مبتسمة وقد ارتسمت أمامي بعض علامات الطّريق.

وهيبة قويّة، جانفي 2023 

الكتاب: دمية كوكوشكا

المؤلّف: أفونسو كروش، من البرتغال

تاريخ النشر: 2018

الناشر: مسكيلياني للنشر والتوزيع

عدد الصفحات: 306 صفحة

 

9 مارس 2018

تحيّة إلى الأديبة التّونسيّة حفيظة القاسمي

عيد المرأة العالمي، تحيّتي وتقديري للأديبة التونسيّة الرّاقية: حفيظة القاسمي:
تكريما لها وتقديرا لقلمها، ومن خلالها تحيّة إلى كلّ أديبات تونس...
فخرا بك حفيظة القاسمي، وفخرا بقلمك.

غلاف رواية: ويبكيه الحمام لحفيظة القاسمي

- بالمناسبة:
كنّا في زمن مضى نغنّي مع أمّهاتنا وأخواتنا، حين ينبعث صوت الرّاديو  بأغنية عن الرّسائل الّتي نفتقدها اليوم: "دقّ الباب، يا لَحْبابْ، بسطاجي بشّر بِجْوابْ"... ونفرح لوصول الرسائل من كلّ من نحبّ وخاصّة من الغائبين في فرنسا. اليوم في عيد المرأة العالمي تذكّرت الأغنية حين "دقّ الباب"... وقدّم "البسطاجي" ظرفا به رسالة مميّزة جدّا...

- هديّة عيد المرأة العالمي:
هديّة للمرأة في عيد المرأة العالمي... تهنئة، وإن لم تكن مقصودة، فإنّها من أجمل التّهاني... الهديّة روايتان للأديبة التّونسيّة المتميّزة "حفيظة القاسمي". أمّا الرّواية الأولى فهي: "يبكيه الحمام" وعليها إهداء بإسمي، وأمّا الرّواية الثانية فهي بعنوان "غزالة" ومهداة لابنتي سيرين.
أسرعت إلى هديّتي وبدأت فورا بالقراءة بكلّ شوق، أقرأ وأدوّن ملاحظات، وأعيّن جملا... وأعيد بعض المقاطع... يا الله... ما أروع ما أقرأ. ونسيت في غمرة ما أنا فيه أن أشكر أديبتنا على الهديّة وأبلغها بوصولها، ثمّ أخذتني رجّة الأرض ورجّة الضّغط وتأخّرت في تقديم شكري للأديبة...

- حرصا...
عذرا، لم يكن سهوا، بل حرصا منّي أن أشكر الأديبة وأنا قد قرأت نصيبا من الرّواية... فقرأت كلّ الرّواية.
أنهيت الرّواية وأنا أتمنّى أن لا تنتهي. أعدت قراءة مقاطع منها... مازلت تحت وقع "رجّة" الكتابة في الرّواية ولا أدري كيف أبدأ. فعام عيشة أعوام من سبر أغوار الإنسانيّة في الإنسان، وتاريخ قبائل غمرته رمال الصّحراء ثمّ أعادت كتابته هديلا على قمم النّخيل وخصب الذّاكرة وبراعة اليراع...

- الرّواية: يبكيه الحمام، حفيظة القاسمي:
"يبكيه الحمام" رواية تاريخيّة كنت قد تابعتها في رواية "عام عيشة" منذ سنوات، رواية نبّهتني إلى قلم تونسيّ متميّز، تعيد الأديبة صياغتها لتأخذنا أبعد هذه المرّة... بعيدا عن طريق لغة تتميّز  بالسّلاسة والإتقان، تجمع العبارة مكثّفة وتحفر بها عقل القارئ ووجدانه فتحفّزه ليقرأ من خلال جملة فصلا من فصول "الحبّ والحرب" وتنقش في الرّوح بُعدا أخلاقيّا، إنسانيّا... تأخذنا في ثنايا الحبّ فنَحنّ إلى ذاكرة العشّاق القدامى... وتثير بجملة غبار الحرب فنشقى ونبحث في لهاث الخيل وصليل السّيوف عن الإنسان. أيّ إنسان؟ وفي أيّ زمن؟
أكاد أرى زماننا، أكاد أقرأ تاريخ أمّة كاملة من خلال نماذج الموت، وأسماء الشّخصيات، ووصف الحرب، وانتقام القبائل...
وللحكاية بقيّة...   
وهيبة قويّة            


وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters