‏إظهار الرسائل ذات التسميات أنا بخير. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أنا بخير. إظهار كافة الرسائل

15 سبتمبر 2024

ذاكرة الوجع، مقطع من: أنا بخير

الوجع النّسيان، الوجع البركان والنّيران، الوجع أكوام تحطّ على كتفيّ، على ظهري، على كلّ مفاصلي... أحاول ألّا أعير الوجع اهتماما ولكنّه يلاحقني ويعكّر صفو حياتي.

فالدّيك حين لا يجد نملا ينقره ينقر حنجرتي فأفقد صوتي، أو ينقر ذاكرتي فيُحدث فيها ثقوبا حتّى أنّ بعض الأفكار صارت ممزّقة وأشلاء لا يفهمها أحد حين أذكرها. إذ تصير الجمل غير تامّة والكلام لا ينتهي إلى معنى يفهمه مَن حولي. ولاحظ أولادي ذلك وصاروا يمازحونني:

«قولي جملة مفيدة لنساعدك... يبدو أنّك ستفقدين ذاكرة الكلام، مسكينة أنت يا أمّي. أولادك لا يفهمونك فكيف سيفهمك التلاميذ؟»

التّلاميذ؟! عرفت الآن لماذا لا يشاركون في الدّرس ويفضّلون أن أكتبه على السبّورة وينقلون دون أدنى مجهود. وفهمت لماذا أعيدُ الجمل مرّات، وأغيّر الأنشطة مرّات ومرّات ولا أجد لهم اجتهادا أو عملا، ولماذا أسأل ولا أجد جوابا. وفهمت خاصّة لماذا لا ينجز التّلاميذ أعمالهم ويأتون مكرهين إلى الدّرس يجرّون أرجلهم تحت وطأة وزن الكتب على ظهورهم، أو يأتون خِفافا حين تعوّض الكرة الكتب والكراريس في المحفظة.

سأعذرهم بعد أن فهمت حالتي. فما ذنبهم وهم لا يفهمون نصف ما أقول أو أكثر، وينسون الكتابة والقراءة، وينسون حتّى حروف أسمائهم. طبعا أقصد عددا منهم لا كلّهم، فعدد آخر من التّلاميذ يفهمون ويعملون ويحاولون التّفوّق. ووجودهم سيعينني على معرفة ما ذاب من ذاكرتي.

أعذرهم خاصّة حين صرت لا أراهم إذا نظرت إليهم.

نعم أحيانا لا أراهم. فالرؤية مَلَكَة مثل الكلام. ومن ينسى نصف الكلام يمكن ألّا يرى نصف ما ينظر إليه أو كلّه.

في المرّة الأولى ظننت أنّني أحلم، فبعد كتابة جملة على السبّورة التفتّ لأطلب من أحد التّلاميذ القراءة فلم أجد أحدا. قلت في نفسي:

«كيف يخرجون دفعة واحدة دون إحداث فوضى؟ هذا ليس من عاداتهم! وهل دقّ جرس الخروج ولم أسمعه؟ ربّما، فقد لا نسمع نصف الأصوات أو كلّها.»

بقيت أنظر في الفراغ لا أدرك ما حصل، أتساءل كم استغرقتُ من الوقت لكتابة الجملة؟ هل صرت بطيئة الحركة في الكتابة على السبّورة إلى درجة أن أكتب جملة واحدة في كلّ هذه المدّة؟ هذا ممكن ولكن هل خرج التّلاميذ وأخذوا معهم مقاعدهم؟

طال استغرابي أمام الفراغ، ثمّ بدأت بعض الأجسام تظهر شيئا فشيئا كابتسامة القطّ في بلاد العجائب. وأخذت أصوات كثيرة تتدافع إلى سمعي. لم أكن أحلم... ولم أفهم ما حصل، فهل يوجد عمى التّلاميذ كما عمى الألوان؟!

في مرّة أخرى، رأيت أجساما بلا رؤوس وواصلت العمل كأنّني أراهم في كامل صورهم بلا نقصان ولا زيادة. لم أكن أريد أن يعرفوا ما يحدث لي حتّى لا يختلّ سير الدّرس مع أنّه اختلّ لأنّني خلطت أسماء التّلاميذ، إذ كنت أشير إلى واحد منهم وأسمّيه باسم تلميذ آخر إذ نسيت نصف نبرات أصواتهم. وتكرّر الأمر مرّات ولم أجد له تفسيرا سوى أنّهم يفرّون من الدّرس الّذي يَثقُل على وقتهم وفهمهم وأنّهم يختبئون بفعل طاقية إخفاء. وكم تساءلت كيف حصلوا عليها! وتمنّيت لو أملك مثلها لأختفي بدوري حين يشتدّ وجع مفاصلي وحين تتكهرب يدي وأنا أكتب وحين ينبعث التّنّين في دمي وفي حالات أخرى لا أريد ذكرها.

وهيبة قويّة

مقطع من: أنا بخير

23 مايو 2024

اختلاس

اختلاس


 هل تعرف النوم الخلاسي؟

هو نوم لا علاقة له بالنّوم ولا باليقظة. هو أن تسهر نائما أو تنام ساهرا.

هو أن تختلس النّظر إلى الحلم مرّة، وإلى يقظتك مرّة. وألّا ترى حلما، ولا يقظة. وتظلّ كنوّاس ساعة حائطيّة كبيرة يتأرجح ويدقّ رأسك بصوته الرّتيب فتحاول الانشغال عنه بعدّ دقّات قلبك حتّى يصير نبضك ساعة حائطيّة بحجم قبضة اليد معلّقة بجدار ضلوعك... تنوس وتتمايل ويضيع اتّجاهك، فتدور حول نفسك، كدرويش نسي جسده معلّقا بين يديه المرفوعتين وهو يدور حول الفراغ مهلّلا، تشدّه الجهات وينفلت منها إلى حيث تصعد روحه أو لا تصعد.

خلاسيّ نومي. بلا حلم وبلا يقظة ولكن له صدى "تكتكة" يصدر عن رأسي الفارغ، مع أنّي حريصة على أن أملأه أفكارا وأحلاما ويقظة...

أراني نائمة بلا نوم، وصاحية بلا صحو... أراقب الفراغ بنصف عينيّ. كلّ الصّور أصابها غبش الرؤية، وكلّ الأحلام ضباب وفوضى. أحاول ترتيبها. أجمع أشتات الصّور وأبتني قصّة تناسب طول ليلي، وفوضاي، ورغباتي، تناسب اللّيل المستبدّ بروحي... وأكمل ما ينقص من الأحداث.

هذه اللّيلة اختلستُ حكاية من صديقي الطّيف وحلما قديما. وحرّكتهما عوضا عن نواس السّاعة في رأسي... وضجّ رأسي بما فيه.

تقول الحكاية أو يقول الحلم بأنّ طيفا حارسا سيزورني ليحرس منامي، لذلك نمت. ولكن لأراقب زيارته وحراسته اختلست نظرات إلى منامي...

وانتظرت...

أثناء انتظاري أخرجت الأفكار كلّها من رأسي، شطبتُ ما فيها من قديم مهترئ، عدّلتُ المعوجّ، أتممت الناقص، نفضت الغبار عن بعضها، أعدت بعضها إلى رفوفها البعيدة في لا وعيي، كتبت على بعضها عناوينها، مزّقت بعضها، رتّبت ما يصلح منها لغدي، استغنيت عن بعضها، نسيت أكثرها، احتفظت بما أعجبني منها...

استعدت وعيي، سمعت نبضي، أنّت عظامي، نزّت دموعي من تحت جفنيّ، استجمعت قوّتي، حاولت الحركة فخان رأسي توازنه وسقط يرزح بما فيه من ثقل، ناديت: يا نوم زرني ليزورني الطيف ويحرسني وأنسى ما يحتمل رأسي. من أثقال.

نومي خلاسيّ... أختلس خلاله اليقظة فيختلس منّي عمري...

وهيبة قويّة

29/29 جويلية 2022

12 مايو 2023

فيبروميالجيا... وهيبة قويّة

... صرت أنام مستيقظة. أو ربّما أنام بنصف وعي، أو أدّعي النوم، أو أدّعي الصّحو. لا أدري كيف أفسّر هذا. فأنا أضع رأسي على الوسادة وأنا متعبة. وأنوي النّوم نيّة حسنة لا ريب في صدقها. ولكنّي أظلّ أتقلّب أبحث عن راحة لكتفيّ، أو ظهري، أو عنقي، أو مرفقيّ، أو ركبتيّ، أو كعبيّ مع أنّي لا أمشي ممدّدة... ويستولي على رأسي وأذنيّ صوت آلاف الصّافرات ويشتدّ. أعطش فأشرب. ويثقل الهواء فأبحث عن أنفاس قليلة تنقذني من الاختناق. أغلق جفنيّ وأبحث في رفوف الآلام عن حلم، أيّ حلم، وأجري وراءه والصّافرات في رأسي تفتح طريق الهرب أمامي وتلازمني، وأظلّ ألاحق صورة حلم فيختفي في أزقّة الأرق. وتتألّم عظامي وترجّني الصّافرات. وتصير صافرات قطارات تسير في رأسي ويعلو صوتها أكثر، وأشدّ على عينيّ أغلقهما فتنفتحان، وأبحث عن أنفاس قليلة وأختنق. أختنق، أتوجّع، أختنق، لا أنام... أحاول النّوم وأختنق، ولا أنام، وأتعب... ألهث وراء حلم، لا أحلم، لا أنام، وتدقّ نواقيس السّاعات لاهثة... الثالثة، الرابعة... أعطش، أشرب... السّادسة... وجع بعيني وعظامي وصداع عنيف يقسمني نصفين ويشتّت تركيزي ويبتلع ذاكرتي، والعمل يناديني وأتردّد. أخرج أم ألاحق نعاسا بدأ سعيه إلى عينيّ يثقلهما... يأتي الصّباح في القطارات الّتي برأسي وأنا أرتشف الوجع والنّار والتّعب. أحاول ترتيب ملامحي. فلا أفلح. وأبحث عن ابتسامة تفتح الباب لأرتمي في حضن الصّباح وأتدرّب على المشي بعيدا عن أكوام التّعب الّتي تلاحقني بكلّ التّعب. فيشدّني الفراش يضمّ أوجاعي ويئنّ معي في انتظار الفرج...




21 فبراير 2021

كوّة في رأسي، وهيبة قويّة

 تركت النظر إلى النّافذة ولكنّها ظلّت في رأسي مثل كوّة زنزانة معتمة وأطلّ منها الضوء يوقظ الأفكار النائمة في فوضى في قاع دماغي. حرّك الضّوء بعض الأفكار المشوّشة الشعثاء التي مدّت أعناقها تتطاول في رأسي وتنمو كالطّحالب أمام عينيّ. فركتْ عينيْها بكسل. وتثاءبت. تثاءبتُ معها. سحبتُ الغطاء على وجهي. أضاءت الكوّة أكثر فتحرّكت الأفكار من جديد. وقفتْ على حافة دماغي. فخاتلتها وألقيت بها في حفرة اللامبالاة. وانشغلت بفكرة القهوة والتذوّق. وخفّ ما في قبّة رأسي من ضغط وانسجمت مع الفراغ حولي...

وهيبة قويّة
من أنا بخير
نافذة الضّوء

*الصورة: نافذة تشرق كلّ صباح في بيتي وتشدّ فكرتي إلى الضّوء. كانت منسية وصارت بقعة في رأسي تطلّ عليّ بصباحات جديدة. في انتظار أن تعود العصافير إلى شجرة اليوكاليبتوس المطلّة على النافذة الأخرى.

9 فبراير 2021

صداع صباحيّ

لوحة للفنّانة التشكيلية إيمان بن ابراهيم/ تونس
ضمن المعرض الجماعي: تنويعات نسائيّة

أفقت بعد ساعتين من النّوم الخالي من الأحلام بلا صداع ولكن مع وجع شديد في كتفي الأيسر وساقي اليسرى وخاصّة منها الكعب. وأعلن الصباح بدايته بسعال غريب شبيه بسعال العجائز حين يصيبهنّ البرد، خرج من أقصى رئتيّ وأحرق صدري. فأسرعت أنبّه حواسي.

اضطربت قارورة العطر الّتي لا تبتعد عن متناول اليد. فابتسمتُ لها. لا رائحة أفضل من العطور لأتأكّد أنّني لم أفقد حاسّة الشمّ. وتشمّمت رائحة الصّباح. فنفرت واختلطت وهربت. حملت وجع ساقي وكتفي وأحضرت قهوتي. فهي الطّبيب الّذي لا ريب فيه. مرارتها في كلّ رشفة ثابتة مع أنّ رائحتها باهتة وكأنّها أصيبت بوباء العصر.

لم أحدّثها كما العادة، واكتفيت بارتشافها. ربّما أظلم قهوتي بهذا. ولكن ما أفعله معها يحميها من هلوستي الصباحيّة ويطمئنني، إذ لم تصبح القهوة اختبارا لحواسّي فحسب بل معها أقتنع بفكرة الحماية الذّاتيّة من الفيروس الكوروني ومعها أبدأ بتطبيق مقولة "ما يلزّك على المرّ إلاّ الأمرّ". وقهوتي المرّة، وقد تركتُ مغازلتها، مرّ لذيذ وطبيب استعجاليّ في أيّامنا، ومؤنس عن بعد مثل الّذين نحبّهم وابتعدنا عنهم حماية لهم من المجهريّ الّذي قد يأخذ بأنفاسهم وأنفاسنا.

صباحي أيضا صار غريبا، لم يعد يأخذ بيديّ لأتفقّد ملامحي ولا يقودني إلى القراءة الّتي صارت بطيئة متعثّرة غائمة بلا تفكّر، حتّى تزايد عدد الكتب إلى جانبي تطلب فتحها فأفتح واحدا منها وأتهجّى سطرين وتبتعد بقيّة الأسطر عن عينيّ تاركة أثر نمل في الرّمل لا أتبيّنه وأعجز عن تتبّعه فأغلق الكتاب وأرتّبه فوق كتب الشّهر المختارة للمطالعة وأفتّش في رأسي عن غيمة تسعفني برذاذ فكرة ألاحقها حتّى لا يصيبني الخَرَفُ.

تحرّكت في مساحتي المتاحة من الصّباح قبل العمل وأنا "أخرّفُ" لنفسي عن رأس لا يسكنه الصّداع وعن مشروع مربح جدّا، سأفتح دكّانا لتغيير الرّؤوس لعلّ رؤوسنا بما حملت وفكّرت تخفّ عن أكتافنا وتقطف ثمرا يانعا لنحيا بسلام.

وصلني صوت مذيع الأخبار متقطّعا: "وزير الصّحّة... ورئيس الحكومة... عريضة سحب الثّقة... رئيس البرلمان... المحكمة الإداريّة... رئيس الحكومة... سنشهد تقلّبات الطّقس غدا...

أعدت صوت الرّاديو إلى حنجرته واستعرت أغنية لصباحي بصوتي الّذي بدا كصرير باب قديم:

"يا رايحين و الثّلج ما عاد بدكن ترجعوا

صرّخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا... "

وحين بدأ نشاز صوتي يغيب وعمل الغناء في رأسي عمله وجدتني أغنّي بصوت واضح:

"شو بدّي أعمل فيهن

نيّمهن وطعميهن

هيدا بدّو تبّولة

هيدا بدّو ملوخية

ناقص تقلي بطاطا وتقدّم ع الصينية

يا رئيس البلديّة"...

هكذا عاد الصّداع كالرّيح يعصف برأسي ويشوّش تفكيري ويقودني مع الغيم لأمطر في الصّحراء وفوق البحر.

وهيبة قويّة

من أنا بخير

15 مارس 2020

دودة

دودة

 
  حين يصيبني الحزن أصير دودة تحلم بأن ينبت لها جناحان ملوّنان
.

أهيّء فراشي الّذي فقد لونه، ولم يعد يحفظ عطري. فراشي ضيّق بحجم نقطة بلون تراب الحقول حين تعبث بوجهه الرّياح. أتمدّد في فراشي وأتغطّى بخيال من حرير.

ألفّ الحرير حول جسدي الّذي يضيق بجلده. وأسلخه مثل فكرة جافّة بلا معنى وأُلبسه حرير حلمي.

حلمي مثل فراشي، نقطة بلون غائم ينسلخ عنه شعاع شفّاف بطول حزني. يتمدّد الشّعاع إلى جانبي فأمسك يده، أعني طرفه، وألفّه حول خصري.

يحضنني الشّعاع ثمّ يطول فألفّه حول خصري فيطول، فألفّه وألفّه... فيتّسع المكان، يصير غيمة مخمليّة. أمدّ يدي إلى قطنها. ملمسها الحرير يداعب يدي ثمّ خدّي ثمّ يصير مناديل تمتدّ إلى عينيّ.

على كلّ منديل أرسم لؤلؤة وأطرّزها بلون من قوس فكري وتبدأ الحكايات الحزينة تترقرق على مناديل الغمام، ويتدفّق غيم العينين.

قبل أن أسرد آخر حكاية حزينة تنقشع الغيمة عن سمائي وتنفتح سواقي الألوان وتتفجّر النّقطة النّورانيّة مثل نافورة تنشر الضّوء حولي. ويتّسع الفضاء أكثر وأكثر.

تحملني خيوط الحرير إلى البعيد، وتهديني جناحين ملوّنين. ولكنّي لا أطير بهما. فالفضاء الواسع اتّجاهه واحد يسير نحو بهرة ضوء واحدة مثل عين بكلّ الألوان ولكن بلا أحلام.

وهيبة قويّة

موحزن، 

لكن كورونافيروس تأمرني بأن أحيا في أمان كما في أيّامي العادية. أفكّر، أكتب، أتنفّس...

وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters