‏إظهار الرسائل ذات التسميات طريق النّحل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات طريق النّحل. إظهار كافة الرسائل

20 مارس 2024

رمضان... زمان برامج إذاعيّة وتلفزيّة

رمضان...
حنين وذكريات

 

لي مع رمضان ذاكرة عميقة تمتدّ إلى طفولتي البعيدة توشّحها ذكريات برامجي المفضّلة الّتي تابعتها بحبّ وأحنّ إليها إلى اليوم.

أستعدّ كلّ عام لرمضان فأرتّب كثيرا من تفاصيله لينشر رائحة العبادة والقداسة حولي وحول عائلتي، وأرتّب أيضا حنيني إلى برامج كنت لا أخلف مواعيدها.

فترافقني الإذاعة نهارا في موعد ثابت، وأرافق البرامج التلفزيّة بعد الإفطار. هذه عادات ورثتها من عائلتي منذ الطفولة وأكاد لا أتخلّى عنها، أو فعلت. فقد تغيّر الوقت وتغيّرت البرامج.

يركض بي الحنين في أوّل يوم من الشّهر المعظّم بخطوات الطّفلة الّتي تحاول تقليد الكبار والمساعدة في إعداد الإفطار، وهي تلاحق بسمعها برنامجا هو من ثوابت الإذاعة الرمضانيّة منذ 1963 إلى اليوم هو برنامج "تحيّة الغروب" لكروان الإذاعة التونسيّة "عادل يوسف" لحقته في أواسط السبعينات ويرافقني إلى اليوم بعنوان "رمضان ملء قلوبنا" ومع أصوات مختلفة لم تُبعِد صوت حنجرة رمضان الذّهبيّة عن ذاكرة سمعي. وأشدو لرمضان مع البرنامج: "رمضان ملء قلوبنا يا ربّنا يا ربّنا..." وأدخل عالمي المقدّس مع منوّعة أسمع فيها النقشبندي والأذكار وأسماء الله الحسنى، وأستأنس فيها بتفاسير الآيات والأحاديث، وقد كنت لا أفهمها، ولكن إعاداتها جعلتها قريبة من قلبي وفهمي. فأسمع محاضرات عميد الأدب العربي طه حسين الّتي ألقاها في تونس، كما أسمع محاضرات فضيلة الشيخ محمّد الفاضل بن عاشور، وأستمتع بمحاضرات المؤرّخ فرحات الدّشراوي ومحاضرات الأديب الكبير محمود المسعدي. هي صفحات قليلة سريعة خفيفة على القلب يتكرّر بعضها في كلّ رمضان فتمتعني وتحيي ذلك الفضول الّذي كان في طفولتي.

تتخلّل فقرات البرنامج أغنيات دينيّة وأدعية بأصوات عربيّة عرفتها في صغري صوتا قبل أن أرى وجوهها إضافة إلى الأصوات التونسيّة المتميّزة. فتراني أسكت لأسمع أو أردّد بيني وبين نفسي "آمين" على دعاء الدّعين أو أنشد مع المنشدين وأغنّي مع فايدة كامل: "إلاهي ليس لي إلاّك عونا فكن عوني على هذا الزمان"... وحفظت أدعية بصوت عبد الحليم، وشدوت مع ياسمين الخيّام كما غنّيت مع صباح: "وإن قلت يا خويا الأكل كثير، وبلاش بعزقة وبلاش تبذير، يصرخ ويقول يا خواتي صايم..." ومع شريفة فاضل"بدري لسّة بدري والأيّام بتجري يا شهر الصّيام"... وبين كلّ هذه الفقرات أعمال إذاعيّة تونسيّة لفرقة التمثيل الإذاعيّ، هي مسلسلات كانت تبثّ إذاعيّا وتلفزيّا في بثّ مشترك أو من إنتاج الإذاعة منذ تأسيسها في 1938 توارثناها ونحنّ إليها دائما وهي قيّمة لما فيها من مواضيع اجتماعيّة وأخلاقيّة مثل مسلسل "الحاج كلوف" أو "شناب" أو " برق الليل" أو "حكايات عبد العزيز العروي" وغيرها... وتحرص الإذاعة على بثّ مسلسلات جديدة كلّ رمضان تجد مساحتها في برنامجنا اليوميّ الرّمضانيّ وتتنوّع ما بين التاريخيّ والهزليّ والاجتماعيّ.

وأظلّ كلّ يوم على هذه الحالة المتقلّبة بين الثقافة والترفيه والوعظ والإرشاد والدّعاء والتسبيح حتّى تبدأ فقرة تلاوة الذّكر الحكيم الّتي يختار لها البرنامج أفضل الأصوات مثل عليّ البرّاق وعبد الباسط عبد الصمد وعلي الحصري والمنشاوي والطّبلاوي فيزداد اليوم بهاءً ويطمئنّ قلبي، ثمّ يرتفع صوت المؤذّن يَأذن بـ "لمّة" العائلة حول الإفطار لتبدأ رحلتي مع البرامج التلفزيّة للمساء والسّهرة.

في الحقيقة لم تكن البرامج الرمضانيّة المرئيّة تبثّ بعد الإفطار فحسب بل كانت تبثّ نهارا حين صارت مساحة البثّ التلفزيّ أوسع، وخاصّة في أواخر السّبعينات وبداية الثمانينات، ومع حلول رمضان في الصّيف بثّت علينا تلفزتنا التونسيّة سنة ثمانين أو واحد وثمانين، مسلسل "صيام صيام" مع يحيى الفخراني. كان يُبثّ ظهرا ويحمينا من قيظ الصّيف ومن العطش.

لهذا المسلسل أثر في نفسي. كنت أتابع يحيى الفخراني بشغف وذاكرتي تحتفظ بصورة فردوس عبد الحميد وبراءة وجه آثار الحكيم والأهمّ الدّروس القيّمة الّتي تشجّع على الصّيام وتظهر قيمته وتفسّر سلوك الصّائم وضوابط الصّوم في تصوّر أعجب الطّفلة الّتي كنتها خاصّة وأنّ الحلقات كانت تشفع بتعاليق الكبار في العائلة وتفسير بعض مظاهر السّلوك في المسلسل. فأحببت كلّ أبطاله ولم أشاهده منذ ذلك الوقت ولكنّي أدندن في رمضان في أذن أولادي: «ده صيام صيام مش امتناع عن الطّعام» وأحدّثهم عن مواقف شاهدتها في الحلقات ودعّمها العمر.  

يبقى المسلسل نموذجا من الأعمال المؤثّرة في النّفس والعابر للأجيال. وكم نحتاج إلى مثله اليوم لتربية الجيل الجديد.

كانت تلفزتنا التّونسيّة تبثّ علينا تقريبا أكثر الأعمال المصريّة الرّمضانيّة حينها. فتابعنا مسلسلات تاريخيّة دينيّة مازالت محفورة في الذّاكرة وفتحت في القلب طريقا إلى محبّة شخصيّات لها أثر في تاريخنا الإسلاميّ مثل " محمّد رسول الله" و"عمر بن عبد العزيز" و"موسى بن نصير" وغيرها كثير لم تبخل به شاشتنا بالأبيض والأسود أو بالألوان فتابعنا عبد الله غيث وأشرف عبد الغفور ونور الشّريف وغيرهم في أفضل أعمالهم التاريخيّة والدّراميّة، وشدّت عيوننا إلى المساحات الزجاجيّة الملوّنة تتابع بشغف رأفت الهجّان وليالي الحلميّة وحياة الجوهري والمال والبنون.... وأعمال كثيرة ترافق السّهر بعد صلاة التراويح وتجمع العائلة حول حكايات وأحداث تصير حديث الجميع إذا ما انتهت. ومع ذلك كنت في طفولتي، وعلى الرّغم من كثرة المسلسلات، أستاء من عدم بثّ شريط ليلة الأربعاء بالأبيض والأسود مع أبطال السينما المصريّة والّذي كان يميّز شاشتنا التونسيّة منذ عرفنا التلفزة في أواخر الستينات.

ازدانت سهراتنا الرّمضانيّة أيضا بألوان الفوازير مع نلّلي وسمير غانم وفؤاد المهندس وشريهان... وتَباريتُ مع بنات العائلة لمعرفة حلّ الفوازير وحلمنا أيضا أن نكون بطلات في الرّقص والغناء ونشارك في الفوازير وكبرت أحلامنا ونحن صغيرات لتتلاشى حين كبرنا ولكن لم يتلاش الشّغف الّذي به نتابع حلقات من ذاكرة التّلفزة تعيد علينا بعض اللّقطات المتفرّقة من فوازير السنوات الماضية وتذكّرنا ببعض الأعمال.

تغيّر وجه تلفزتنا بتغيّر البرامج ولا أنكر تنوّع برامج الشّهر الكريم في كلّ سنة ولكن ظلّت ذاكرتي القديمة مسيطرة على ذوقي ووقتي. ومازلت مع كلّ رمضان أفتح صندوق الذّكرى وأختار برامجي الّتي تابعتها منذ أعوام بعيدة وسكنت روحي وذاكرتي. فأقيس الماضي الثّابت في ذكرياتي بالحاضر الّذي أتابعه بلهفة أقلّ طغت عليها مشاغل الحياة.

 

رمضان كريم

ودام الشّهر المبارك ذكرا لله وذاكرة تجمعنا بأحبابنا وأنفسنا كلّما حملنا الحنين وحلّ بيننا.

وهيبة قويّة
شاركت بهذه الذّكريات (صوتا) في:
صوت العرب: برنامج "بيانولاّ" مع مي عبد الدّايم
رمضان 2021

 

14 فبراير 2022

عيد الحبّ


عيد الحبّ

بدأ صباحي في شكل قلب كبير، قلب يتّسع لكلّ النّاس، يرى الحبّ في التفاصيل الصّغيرة وفي أغنيات الصباح وفي بقايا الورد في ذاكرتي البعيدة وفي عطر منسيّ في رفوف المراهَقة وفي ابتسامات تطلّ خيالاتها من بعيد وتتلاشى وفي دفء همسة تحرّك الشجن وتترك أملا كبيرا في حبّ ألقاه في منعطف الحياة.

 مع خفقات قلب الصباح تصفّحت صورا ترامت في ثنايا ذاكرتي وامتدّت ظلال أطيافها بين الضّوء المتسلّل من النافذة وضوء الفكرة. عيد الحبّ في يوم برد يراوغ المواقف منه بين داع له ونافر منه، وأكداس الهدايا تعبر صفحات الفضاء الأزرق في لمح البصر. والحبّ يفيض بأشكال القلوب والأمنيات ويعبر أرجاء الكون فاتحا ذراعيه. الكلّ يحبّ الكلّ. وأنا أحبّ الكلّ، كلّ هؤلاء الّذين يعبرون رأسي الآن بدءا بالبطل المبتسم في أشرطة السينما بالأبيض والأسود تبثّها التلفزة في سهرة الأربعاء فأفتح عينيّ بشتّى الألوان لأتمنى أن يحبّني. الوسيم عمر الشريف كيف أجعله يحبّني يترك فاتن حمامة ويأتي مسرعا لأكون بطلته؟ أحلام الطفولة كانت تتشكّل في القلب قبل الأوان وأنا أخفيها خجلا وحيطة أن تسرق منّي.

 يوم اكتشفت أنّ عمر الشريف، ككلّ الممثلين، يحبّ كلّ من يمثّل معهنّ اعتبرته خائنا وكتبت له قصيدة اقتبست نصف كلامها من أغنية وردة وخاصّة الجملة "كان اسمه حبيبي". واحتفظت بتجربة القصيدة العاشقة في جيب ميدعتي المدرسية وتفطّنت لها صديقتي وفضحتني عند المعلّم أثناء درس اللغة عن الفاعل. ما زلت أذكر الدرس وخطّ معلّمي الأنيق وصوته يوبّخني ولولا جوابي الصحيح في التمرين ما كنت نجوت من عقوبة ضرب مؤكّدة. أذكر وجه معلّمي الغاضب وصوته الذي قفز إلى قلبي قبل سمعي "من خالط العطار نال طيبه ومن خالط الفحّام نال سواده" ولا أدري كيف فهمت أنه قصد صديقتي وليس القصيدة التي بخطي وتشي بما في قلبي لعمر الشريف. أعاد إليّ الورقة. وكم وددت لو أخبرته بأنني لن أحبّ بطلا سينمائيا بعد اليوم وسأحبّه هو فهو أجمل من كلّ الأبطال.

 تجربة الحبّ كانت فاشلة جدا حينها وأنا في التاسعة فمعلّمي متزوّج وابنه الذي أتى به يوما إلى المدرسة جعلني أعتبر كلّ الرجال خائنين فالعُمَران متزوّجان وليس لي مكان في حياتهما. رحم الله معلّمي المحترم المتميّز والممثّل البطل العالمي. كبرت ورافقتُ صديقاتي وتجاربهنّ مع القلب وجعلت قلبي في مأمن بفضل المطالعة والمحاولات الأولى في الكتابة والتي كانت تلتقط جملا من كبار الكتاب ومن الأغاني ومن كلام رفيقاتي حتّى سمعت يوما صوت "خوليو اغليسياس" بلكنة فرنسية إسبانية حبيبة أخرجتْ قلبي من صندوقه وبدأتُ ألاحق أغنياته وأدّخر مصروفي لشراء شريط أغانيه، بل كثيرا ما كنت أقف لساعة وأكثر قبل دروس الثامنة صباحا في كافيتيريا تبثّ أغانيه. فأحفظ ما استطعت وأملأ قلبي بصوته وأبحث عن ملامح وجهه في خيالي وأصارع طواحين الريح لأجل الوصول إلى صوته. ويوم رأيت صورته في مجلة لأوّل مرة احتفظت بنسخة منها حتى رأيته في منوّعة يقبّل الفنانة الفرنسية "ميراي ماتيو" فتركته لها واكتفيت منه بأغانيه وانتظرت أن أطرق باب الحبّ بيدي مع شخص أراه ويقنعني حضوره في حياتي. مرّت حياتي. بحلو القلب ومرّه. ولم يكن هذا اليوم سوى ذكرى في روزنامة الأجداد الفلاّحين يروي أسطورة البرد والعنز و"النهار المتسلّف". وحين صار في تقاليدنا عيدَ حبّ لم أجد من الحبّ حبّا أو عيدا ولكن صفحات من الذّكرى يمرّ بعضها برأسي ويختفي بعضها في تجاويف قلبي ويظهر بعضها أمام الجميع يردّ عنّي برد "قرّة المعزة".

اليوم عيد الحبّ. والحبّ عيد، يوم في السنة، وقلبي ينبض طيلة السنة وينتظر العيد لولا رحمة من نبض الوقت فتحت صباحي بخفقة نبيلة تغطّيني من برد الصباح وارتعاش عظامي. وصار يومي عيدا للقلب.

 

وهيبة قويّة 

14 فيفري 2021


15 مارس 2020

دودة

دودة

 
  حين يصيبني الحزن أصير دودة تحلم بأن ينبت لها جناحان ملوّنان
.

أهيّء فراشي الّذي فقد لونه، ولم يعد يحفظ عطري. فراشي ضيّق بحجم نقطة بلون تراب الحقول حين تعبث بوجهه الرّياح. أتمدّد في فراشي وأتغطّى بخيال من حرير.

ألفّ الحرير حول جسدي الّذي يضيق بجلده. وأسلخه مثل فكرة جافّة بلا معنى وأُلبسه حرير حلمي.

حلمي مثل فراشي، نقطة بلون غائم ينسلخ عنه شعاع شفّاف بطول حزني. يتمدّد الشّعاع إلى جانبي فأمسك يده، أعني طرفه، وألفّه حول خصري.

يحضنني الشّعاع ثمّ يطول فألفّه حول خصري فيطول، فألفّه وألفّه... فيتّسع المكان، يصير غيمة مخمليّة. أمدّ يدي إلى قطنها. ملمسها الحرير يداعب يدي ثمّ خدّي ثمّ يصير مناديل تمتدّ إلى عينيّ.

على كلّ منديل أرسم لؤلؤة وأطرّزها بلون من قوس فكري وتبدأ الحكايات الحزينة تترقرق على مناديل الغمام، ويتدفّق غيم العينين.

قبل أن أسرد آخر حكاية حزينة تنقشع الغيمة عن سمائي وتنفتح سواقي الألوان وتتفجّر النّقطة النّورانيّة مثل نافورة تنشر الضّوء حولي. ويتّسع الفضاء أكثر وأكثر.

تحملني خيوط الحرير إلى البعيد، وتهديني جناحين ملوّنين. ولكنّي لا أطير بهما. فالفضاء الواسع اتّجاهه واحد يسير نحو بهرة ضوء واحدة مثل عين بكلّ الألوان ولكن بلا أحلام.

وهيبة قويّة

موحزن، 

لكن كورونافيروس تأمرني بأن أحيا في أمان كما في أيّامي العادية. أفكّر، أكتب، أتنفّس...

وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters