
ظلّت تفكّر في الرّمل، إنّه عميق، يبتلع كلّ الحكايات
الّتي ترسمها عليه ويحتفظ بها بعيدا عن عيون المتطفّلين.
"يا لك من رمل! ليتني أُغرِقُ فيك ما فيّ من الألم
وتُخفيه بعيدا."
أليس هو الرّمل الّذي يحمل خطى أقدامها وثقل جسدها على
حباته الناعمة، وهي لا تملك القوّة لتحمل ثقله على رقّة ملمسه؟
أليس هو نفسه الّذي يُصنع منه الزجاج فيُكسَر، وتُبنَى
به البيوت فتشتدّ وتقوى وتحمي ساكنها؟
أليس هو نفس الرمل الّذي ينساب كالماء من بين أصابعها
فلا تمسكه وهو الّذي تبني به على الشواطئ قصور الأماني وقلاع الطفولة الحالمة؟
نعم، هو الرّمل، ترسم عليه أمانيها وتعانقه موجة حيرى
فتمحو أثرها ورسمها ولكنّها تجدها عالقة بقلبها تطاردها في أحلام اليقظة.
هو مثل مشاعرها. تعرفها ولا تصفها، تفهمها ولا تستطيع
إبلاغها، تستعذبها وتتعذّب بحملها. رقيقة، قاسية، حالمة، جافية.
هو الرمل، مرآة صقيلة ترسم عليها ملامح قلبها التي
تريدها والتي تستطيعها فيضمّها الماء ويطهّرها ويغرق الأحزان المرسومة عليه فتضحك.
لا شيء يبقى إلاّ ما كان له أثر عميق في نفسها، جراح وأفراح. ويبقى قلبها طاهرا
نقيّا، هذا ما تعلّمته. فليأخذ الماء ما يريد وليطهّر قلبها، فكلّ أثر في نفسها
عميق.

وألقى الموج بعد ذلك رسما سقط على الحبات الناعمة، وحفر
الصورة نفسها الّتي رسمتها على الماء. ثمّ تقدّم الموج يستلّ الصّورة من الرّمل
حتّى أذابها وهي ذاهلة. تنظر إلى الماء تارة، وإلى الرمل تارة أخرى فتجد كلا الصفحتين
صافيتين لا تحملان أثرا لخدش فيهما. رغم ذلك استقرّ رأيها أنّ صفحة الماء أفضل
لتطهّر سماء قلبها من غيوم تعكّر صفوها.

نُشِرَ النّصّ في مجلّة عود الندّ العدد 61 وهذا الرابط الأصليّ للنصّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا