نور
الفجر كان رفيقي دائما، ولذلك كنت أُمضي اللّيل ساهرة في انتظار ولادة النّور
وانبعاثه من تحت جناح اللّيل الأسود،فأراقبه وهو يتسلّل شيئا فشيئا فتتلوّن
الموجودات بألوانه وينطلق صوت العصافير شاديا يتغنّي ببداية يوم جديد. ويعزف الكون أجمل
الموسيقى، ويتسرّب الفرح إلى روحي... فأغمض عينيّ في هدوء وأتنفّس ملء رئتيّ...
وأنام.
أنام
مطمئنّة أنّ الكوابيس قد ابتعدت مع ظلام اللّيل.
في
البداية كان اللّيل يخيفني، يأتيني بالكوابيس... كنت أفزع، لِمَ هذه الصّور
الغريبة؟ لِمَ هذا الخوف؟...
كنت
صغيرة جدّا عندما رأيت أوّل كوابيسي. ظلّ يلاحقني... سنوات طويلة...وقرّرت أن أهزم الخوف داخلي، وانتظرت
الكابوس... وعوض أن أفرّ منه وأصرخ وأفتح عينيّ، وقفت أمام هذا الخوف ومنذ ذلك
الحين صار هذا الخوف صديقي، وعرفت أنّه طيّب ولكن بشاعة ملامحه تنفّر النّاس منه.
منذ تلك اللّيلة تعلّمت أن لا أخاف من الكوابيس.
وما إن تغلّبت على الخوف حتّى وجدت نفسي أسيرة سحر
اللّيل... سواده أجمل البُسُطِ، أشعر به دافئا في ليالي البرد الطويلة،مشبعا
بالنّسائم الرّائعة في ليالي الصّيف الحارّة، نسائم حرّة تحمل عبق الورود وشذى
الرّياحين. ولمّا تنتثر فيه النّجوم
أتخيّلها عقد ألماس في جيد حسناء تناثرت حبّاته لتؤانسني بنورها... وأحينا
أشعر أنّها تلمع لأجلي... وحدي، فأراقبها بعيون طفلة تعلّمت الأنانيّة لحماية ما
تملك، فأحرس النجوم وأروي لها الحكايات، وأحبّها أكثر وأجمع أشتات أفكاري لأرسم
لها صورة جميلة. لم أبرع يوما في الرّسوم، تتفوّق السّماء بسحر اللّيل، والنّجوم
بأنوارها على كلّ وصف تلمسه مشاعري، وكلّ معنى يصل إلى إدراكي، وتنفلت من كلّ رسم
أتخيّله بخيالي المجنون الواسع...
اللّيل أكبر من مشاعري ومن خيالي... لذلك عشقت الحياة في
أحضانه... وفي أحضانه تهت هياما، وتاهت روحي حيرى، ولكن ما إن وجدت الأمان حتّى فقدته
... و عاودني الخوف، وعاودتني الكوابيس. وعدت ثانية أنتظر الفجر ونوره.
الخوف صار مختلفا، ورغم أنّه صديقي، فإنّه تغيّر...
عرفت أنّه أصبح
يغار من اللّيل، أحببت اللّيل أكثر من الخوف، لذلك يعاقبني. وعرفت أيضا أنّه متيّم
بي، ولن يتركني حتّى وإن رفضت... ولأجل ذلك خضعت له، وابتعدت عن مقاومته... أحيانا
يداعبني بكلّ العشق الّذي فيه لي، فأشعر بلذّة تسري في داخلي فأستسلم لها، وأجد
لها سحرا... وأحيانا يهزّني بعنف ويروّعني، ولا أدري ما أفعله... فأعود إلى
الاستكانة... ما خبرته من الخوف هو أن أأتمر بأمره وأكون له حتّى وإن لم أعد أرغب
في صداقته القديمة... عشقه لي أفقده طيبته.. أو هكذا يبدو لي. وإن عاد طيّبا
فسأسكن في قلبه وأواجه نفسي.
ليته يعود إلى طيبته.
وهيبة قويّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا