فنجانا قهوة
نُشِرَ النّصّ في مجلّة عود الندّ العدد 63 وهذا الرّابط الأصليّ للنصّ.
طردَت الرّوحُ الهائمةُ حولي النومَ من
عينيّ، وانصرفت. فأعددت فنجانيْ قهوةٍ. أردتُ أن أجد من يؤنس وحدتي... القهوةُ
هي مؤنسي الدافئ الوحيد في مثل هذه اللّحظة، لذلك سأشرب القهوة معي... أرتشف من الفنجان الأوّل، وأترك الثّـــاني يسقط فيه ثلج الوحدة ويمتزج بأرج
زهر البرتقال.
الفنجان الثّاني وحده قادرٌ على إبعاد كآبة
المكان وحزن القلب، وهو مؤنسي الّذي يعيد الرّوح الهائمة لتطوف حول سريري. إنّي أراها
تبتعد وتعود... في كلّ الحالات القهوة معي، أحدّثها. أشربها، فتطرد كلَّ الأفكار
السّوداء الّتي يراها سوادُها الجاثمُ في خطوط ارتسمت في الفنجان الأوّل، وينفي
وجودها سوادُها المتلألــئ في الفنجان الثّــاني.
أنا لا أخاف الوحدة، ولكن أخاف أن لا أستشعر
روحَ شخص ما... هنا... حولي. حيث الفراغ الّذي يحيط بي بعد أن أطردت نومي. مع أنّي
أعلم أنّ هذه الرّوح لا تحوم حول المكان الّذي أنا فيه وإنّما هي تسكنني فكرة
ونبضا، أحيانا، تفرّ إلى عالمها... حيث لا أصل، حيث عالمها الّذي لا أعرفه...
وتعود إليّ في كلّ مرّة من رحلتها الّتي قد تطول وقد لا تطول.
وأنا لا أعرف كيف أستقبل هذه الرّوح عند
عودتها إليّ لأنّها مهما ابتعدت تظلّ معي، فهي تسكن هنا... حيث أضع يدي الآن... هي
جهة القلب إشارةً ولكنّه القلب حقيقةً في مسكنه في صدري... وهذه الرّوح تظلّ مهما
ابتعدت هنا... حيث أشير الآن، لا تنفلت عن نبض القلب لأنّها ساكنة هنا، في ما أسمع...
في نبض القلب.
هل كنتُ أروي حكاية ما قبل النّوم؟ لا... لَمْ أفعل! فزمن الحكايات قد ولّى... كما أنّي لا أستطيع أن أصوغ من الصّمت حكايةً تغوص متلألئة في هدوء الفنجان الثّاني...
لأنّ الحكاية حينها ستكون صامتة، ولن تسمعها الرّوح الهائمة حول سريري عندما تعود...
نعم، هي ليست حكاية... ولكنّي أقرأ وحدةَ الفنجان الثّاني أمامي وقد سقط فيه
ثلج الحكاية...
مسكين... ظلّ وحده يعاني بردَ الغياب والوحدة
ويرتشف أرَجَ ماء الزّهر المسكُوب فيه.
وهيبة ڤويّة
تحيّة لرئيس تحرير مجلّة "عود الندّ الّذي أتاح لي نشر هذا النصّ أوّل مرّة على صفحة المجلّة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا