محاط بالحمقى/ توماس إريكسون |
كيف نقلّل عدد الحمقى من حولنا؟
يعيش
الإنسان في مختلف فترات حياته مع أشخاص مختلفين عنه في أشياء كثيرة وحتّى في إبداء
الرّأي حول نفس المسألة. وهذا الاختلاف ينتج أساسا عن اختلاف سلوك البشر
وشخصيّاتهم والّتي تتحدّد بنظرتهم إلى العالم من حولهم وبكثير من العوامل
الحياتيّة والوراثيّة المؤثّرة. وكم احتجنا في معاملاتنا اليوميّة إلى فهم سلوك
الآخرين وفهم شخصيّتهم لنتفاهم معهم وتتقارب وجهات النّظر تيسيرا للتعايش بيننا.
يسهّل
فهم شخصيّة الإنسان الّذي نتعامل معه التّواصل بيننا ويجعلنا نحسن اختيار العمل
والعاملين معنا ومن يعيشون معنا وحولنا ونكتسب خبرة لتحديد شركائنا في الحياة
عامّة فنحقّق أفضل السّبل للتّعايش السّويّ، السّليم والسّلميّ.
ولكن
كيف نفهم شخصيّتهم؟
وهل
نحن قادرون فعلا من خلال معرفة نمط شخصيّة الآخر أن نصل إلى التّواصل الجيّد معه والتّوافق
الميسّر للتّعايش الأفضل؟
على
كلّ حال إذا حاولنا فهم أنماط شخصيّات من حولنا فإنّ ذلك أفضل لربح الوقت لإنجاز
أشغالنا وحتّى
لا نحكم على غيرنا بالغباء وبأنّهم لا يفهموننا في حين أنّنا، فقط، لا نعرفهم، وقد
لا نقِلّ عنهم غباء.
إنّ
الهدف من تأليف توماس إيريكسون[1]
لكتاب "محاط بالحمقى"يتجلّى في قول كاتبه: «أحبّ أوّلاً أن
يعرف النّاس أن الاختلاف هو طبيعة بشريّة، وقد اخترت عنوان كتابي "محاط
بالحمقى" انطلاقا من العبارة الشّائعة على ألسنة كثير من الناس، الّذين
يقولون: «إنّ جميع من حولي لا يفهمونني». والهدف من الكتاب هو مساعدة القرّاء على
فهم أنفسهم والآخرين بشكل أفضل، وتحسين علاقاتهم وتواصلهم مع مختلف الشخصيات.»
واعتمد
صاحب كتاب "محاط بالحمقى" نظريّة نشرت في 1920 تحدّد أنماط الشّخصيّات
البشريّة المختلفة وفق منظومة تلخّصها الحروف DISA وفيها يختزل كلّ حرف المميّزات
العامّة لكلّ نمط من أنماط الشّخصيّة البشريّة وهي باختصار:
D الهيمنة
هذا
باختصار شديد ما يميّز كلّ نمط بحسب النّظريّة الّتي اعتمدها توماس إيريكسون، لأنّ
كلّ نمط ستتفرّع ملامحه العامّة بمزيد من الدّقّة في الكتاب. إذ أسند الكاتب لكلّ نمط من هذه
الشّخصيّات لونا ليسهّل على القرّاء فهم المصطلحات الصّعبة الّتي يفرضها العلم لدراسة
أنماط الشّخصيّات والسّلوك البشريّ،
وقد أخذت كلّ
شخصيّة من لونها المسند إليها نصيبا وافرا من معناه ورمزيّته وأيضا من تصوّرنا نحن
عن اللّون.
أنماط
الشّخصيّات:
حلّل
الكاتب توماس إيريكسون كلّ شخصيّة معتمدا على الألوان التّالية ومميّزات كلّ
شخصيّة بعد دراسة لسنوات طويلة لمجموعات بشريّة مختلفة فأفضت نتائج بحثه إلى:
1/ الشخصيّة الحمراء: هي شخصيّة تتميّز بالمزاج الحادّ،
والطّموح والهيمنة، والتنافس.
2/ الشّخصية الصّفراء: هي شخصيّة متفائلة تتميّز بالثّقة، تحبّ
الحديث، وشخصيّة تقدّم أجوبة عن أسئلة غير متوقّعة لذلك يراها البعض شخصيّة ثرثارة
والبعض الآخر يراها شخصيّة مسلّية.
3/ الشّخصيّة الخضراء: يتميّز صاحبها بالهدوء والاتّزان
والتّسامح، وهو مستمع جيّد لا يحبّ أن يكون في دائرة الضّوء ولا يخلق ضجّة حوله.
وهي عامّة الشّخصيّة الوسط بين كلّ الشّخصيّات.
4/ الشّخصيّة الزّرقاء: يتميّز صاحبها بالواقعيّة والقدرة التّحليليّة
للمسائل، مع ذلك هو لا يحبّ مشاركة أفكاره ما لم يطلب منهم، يهتمّ بالتّفاصيل وقد
يؤدّي ذلك إلى إبطاء العمل.
واستخلص
الكاتب في البحث أنّ لكلّ شخصيّة من الشّخصيّات الأربعة أسلوبها السّلوكي والنّفسيّ
المختلف عن الآخر.
أنواع
السّلوك للشّخصيّات الأربعة:
رغم
تميّز كلّ شخصيّة بصفاتها الخاصّة تشترك هذه الشّخصيّات في بعض السّمات السّلوكيّة
والنّفسيّة، ويمكن تصويرها كما يلي:
-
الأزرق والأحمر يوليان الأهمّيّة الكبرى إلى المهامّ والمسائل الموكولة إليهما
-
الأصفر والأخضر يميلان إلى التّركيز على الأشخاص والعلاقات
-
الأزرق والأخضر: يتميّزان بالانطواء والتحفّظ
-
الأحمر والأصفر: أصحاب شخصيّة مبادرة
هذه
السّمات المشتركة يمكن أن تجعل الشّخصيّات أكثر انسجاما إذا كوّنت فريق عمل وفق
المميّزات الخاصّة أو المشتركة، وتسهّل على أصحاب الشّركات اختيار فرق العمل
المناسبة لكلّ مهمّة ربحا للوقت ولأجل جودة أكبر.
فالأزرق
المتميّز بالطّابع التّحليلي يمكن أن يجتمع مع الأخضر الّذي يميل إلى الاستقرار
والثّبات.
أمّا
الأحمر المحبّ للتحكّم والسّيطرة فالأفضل أن يكوّن فريقا مع الأصفر المتفائل.
ومن
النّادر أن نجد تكاملا بين الأخضر والأحمر أو الأصفر والأزرق بسبب تضادّ المميّزات
الخاصّة لكلّ شخصيّة.
يعني
أنّه يمكننا تصنيف الشّخصيات بحسب اهتماماتها ودواخلها النّفسيّة للوصول إلى أحسن
سبل التّفاعل والتّواصل.
ويجب
أن لا ننسى أنّ كلّ إنسان لا بدّ أنّه مزيج من بعض الألوان بحسب شخصيّته. فلا يكون
لون الشّخصيّة واحدا بل قد يجمع بين لونين أو ثلاثة ألوان، كما أنّ كلّ شخصيّة
تجتمع فيها السّلبيّات والإيجابيّات يجب أخذها بعين الاعتبار.
التّكيّف
مع هذه الشّخصيّات:
من
أهداف هذا الكتاب هو أن نتبيّن كيفيّة التكيّف مع هذه الشّخصيّات في الحياة
العامّة وكيفيّة التّعامل معها سواء في العائلة أو في المدرسة أو في العمل.
فلكلّ شخصيّة طريقتها في الحوار والتّعامل مع الآخر.
فالأحمر مثلا يحبّ التّحدّث بطريقة
مباشرة دون أيّ لفّ أو دوران أو إطالة أو إسهاب في التّفاصيل، وهو أكثر تقبّلا
للعمل والإنجاز وسهل التّواصل معه إذا كنّا لا نضيّع وقته ونأخذه مباشرة إلى النّقاط
الرئيسيّة من الموضوع بطريقة واضحة وصوت رصين وأدلّة ملموسة ذلك أنّه يميل إلى
المواجهة المباشرة.
أمّا
في تعاملنا مع الشّخصية الصّفراء فيجيب أن نكون منفتحين وودّيين ومستعدّين للضّحك
وتبادل النّكت، كما ينصح أن نزوّده بجدول أعمال بالنّقاط الرئيسيّة لأنّه غالبا
غير منظّم وينسى بسرعة.
أمّا
مع الأخضر، فيجب تجنّب تسليط الضّوء عليه بالإيجاب أو السّلب، إذ هو يحبّ الاستماع
إلى تعليمات واضحة أكثر من أخذ المبادرة ولا يحبّ التّغيير، لذلك يجب أن تكون
توجيهاتنا إليه مجموعة من الخطوات الصّغيرة الّتي يمكن اتّخاذها في عمل ما.
وأمّا
صاحب الشّخصيّة الزّرقاء فباعتباره شخصيّة تحليليّة يجب الاستعداد الجيّد للاجتماع
معه وتدوين أدقّ التّفاصيل، وللتأثير عليه يجب أن تكون معلوماتنا صحيحة ويجب أن
نستعدّ لأسئلته الدّقيقة أثناء الحوار حتّى وإن لم يعجبنا ذلك أو رأينا أسئلته
نوعا من الاستجواب البوليسيّ.
إذن
لكلّ شخصيّة طريقتها في الحوار والتّعامل مع الآخرين، ولكلّ شخصيّة خصوصيّاتها
الّتي إن فهمناها كان تعاملنا معها "أقلّ حمقا".
دور
الشّخصيات في تكوين فرق العمل النّاجح:
لماذا
يجب معرفة شخصيّة الأشخاص الّذين نتعامل معهم؟
الأكيد،
حسب الكتاب، حتّى لا يحيط بنا الحمقى. لذلك مزج الألوان يجب أن يكون بدقّة ومهارة فنّيّة،
قدر الإمكان، ليكون التّفاعل والانسجام. وأدّى جمع الألوان إلى النّتائج التّالية:
أكثر
فرق العمل توازنا هو مزيج الأحمر مع الأزرق، أو الأخضر مع الأصفر.
فإذا
جمعت الأزرق والأخضر في فريق واحد فالغالب أنّه سيحدث مشاكل في اتّخاذ القرارات إذ
تكون مفصّلة أكثر من اللازم ممّا يبطء سير العمل. فالعمل وإن أنجز فهو بطيء جدّا.
وأمّا
مزيج الأحمر والأصفر فإنّه سيجعلنا نواجه إضاعة الوقت في الحديث لأنّهما لونان يحبّان
الحديث دون الاستماع إلى الطّرف الآخر، فمزيجهما يعطّل العمل وإنجازه، فلا عمل.
وأمّا
مزيج الأحمر والأخضر فمن أصعب المزج، فالشّخصيّة الحمراء تصف الشخصيّة الخضراء بأنّها
كثيرة الشكوى من عبء الأعمال، والشّخصيّة الخضراء ترى بأنّ الشّخصيّة الحمراء
متعجرفة وعدوانيّة. فلا توافق ولا اتّفاق.
وأمّا
المجموعة من مزيج الشّخصيّتين الزّرقاء والصّفراء فتعدّ مجموعة صعبة التّحدّيات فالشّخصيّة
الزّرقاء تتميّز بالتّحليل الدّقيق لجميع التّفاصيل في حين تنغمس الشّخصيّة الصّفراء
في العمل من غير تحليل أو تحضير.
هكذا يكون تمازج الشّخصيّات في العمل
حسب توماس إريكسون. فنجاح العمل موكول إلى نجاح الجمع بين أصحاب الشّخصيّات
المتوافقة.
وهكذا
نكون محاطين بشخصيّات مختلفة عنّا وليس بالحمقى.
لغة
الكتاب:
الكتاب
بحث علميّ جادّ نتج عن دراسة لنماذج بشريّة كثيرة واطّلاع على نظريّات اشتغلت على
أنماط الشّخصيّات والسّلوك البشريّ، وحتّى على فلسفة أبقراط الّذي اهتمّ بتنميط
السّلوك البشريّ.
وجاء
الكتاب في منهج متماسك وتبويب واضح لعناصر البحث، تساوى كلّ قسم مع الآخر في عدد
الصّفحات وفي العناصر الّتي بحث فيها ونوّع مع كلّ لون وشخصيّة الأمثلة من
النّماذج البشريّة الّتي درسها والّتي عاش معها أو كان في تواصل معها أو رافقها في
التّدريب أو العمل. وهذا ما جعل الكتاب يسير القراءة، في لغة سهلة رغم الجدّيّة العلميّة
الّتي اتّبعها الكاتب في البحث، وربّما يعود ذلك إلى أنّ توماس أريكسون حاول
الكتابة الإبداعيّة أو امتلك هذه المهارة الّتي قال في الكتاب بأنّه مارسها لفترة
وجدّ فيها مع أنّ بعض من عرفهم لم يميلوا إلى تشجيعه على المواصلة أو استحسنوا ما
كتب.
أكّد
الكاتب على صعوبة تمييز الشّخصيّات، وعلى اختلاف طبائع البشر وأنّهم ليسوا قوالب
نمطيّة لنتمكّن في كلّ مرّة تمييز شخصيّتهم خاصّة وأنّ كلّ شخصيّة تحتمل امتزاج
لونين أو ثلاثة ألوان. والواقع ليس كما البحث. ولكن يبقى هذا البحث وسيلة لفهم
الآخر وفهم الذّات.
ولذلك
يبقى السّؤال: أسئلة القراءة:
هل
من السّهل فعلا فهم الشّخصيّات الّتي نتعامل معها؟
هل
يجب أن نمضي وقتا طويلا لنفهمها كما فهمها الكاتب، وهذا عمله؟
هل
يمكننا بممارسة ما جاء في الكتاب أن نحصل على الخبرة الكافية لنفهم شخصيّة غيرنا؟
أظنّ
أنّ ما حلّله الكاتب قريب إلى علم "الفراسة" الّذي كان يعتمده أجدادنا
حين كانوا يتبعون الأثر في الصّحراء أو يحلّلون الملامح، أو حين كانوا يتعاملون مع
عدد محدود من البشر. خاصّة وأنّ الكاتب قد "تفرّس" في ملامح شخصيّات
كثير من البشر لعقدين كاملين ليحوصل تجاربه في الكتاب.
لكلّ
منّا قدراته الّتي تؤهّله لأن يعرف شخصيّة من يتواصل معهم ولكلّ منّا بصمته
الشّخصيّة الّتي أظنّ أنّها قد تعطّل فهمنا للآخر في حياتنا بعيدا عن إدارة
الأعمال والشّركات و"التّنمية البشريّة" الّتي يمارسها توماس إريكسون.
فهذا صميم عمله ومجال خبرته الّذي قد نأخذ منه نصيبا يخوّل لنا فهم الآخر ولكن في
حدود خبراتنا الذّاتيّة والخاصّة.
هل
يمكن، بعد فهمنا لأنماط الشخصيّات وما ينجرّ عنها من سلوك، تغيير الّذي نتواصل معه
ليفهمنا ونفهمه؟
لن
نغيّره ولكن سنصل إلى أن نقلّل عدد الحمقى من حولنا، وهذا في ذاته إنجاز كبير.
فتخيّل أن يتمكّن المدرّس من فهم شخصيّات تلاميذه كم سيقلّل من درجة الحمق
والغباء! لكن ليت الأمر بهذه السّهولة!
وهيبة
قويّة
[1] توماس أريكسون
خبير سلوك سويدي ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا "مُحاط بالحمقى"، الذي
تُرجم إلى أكثر من 40 لغةً، يسافر إريكسون في جميع أنحاء العالم لإلقاء المحاضرات
والنّدوات للمسؤولين التّنفيذيّين والمديرين لأكبر الشرّكات العالميّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا