14 فبراير 2022

عيد الحبّ


عيد الحبّ

بدأ صباحي في شكل قلب كبير، قلب يتّسع لكلّ النّاس، يرى الحبّ في التفاصيل الصّغيرة وفي أغنيات الصباح وفي بقايا الورد في ذاكرتي البعيدة وفي عطر منسيّ في رفوف المراهَقة وفي ابتسامات تطلّ خيالاتها من بعيد وتتلاشى وفي دفء همسة تحرّك الشجن وتترك أملا كبيرا في حبّ ألقاه في منعطف الحياة.

 مع خفقات قلب الصباح تصفّحت صورا ترامت في ثنايا ذاكرتي وامتدّت ظلال أطيافها بين الضّوء المتسلّل من النافذة وضوء الفكرة. عيد الحبّ في يوم برد يراوغ المواقف منه بين داع له ونافر منه، وأكداس الهدايا تعبر صفحات الفضاء الأزرق في لمح البصر. والحبّ يفيض بأشكال القلوب والأمنيات ويعبر أرجاء الكون فاتحا ذراعيه. الكلّ يحبّ الكلّ. وأنا أحبّ الكلّ، كلّ هؤلاء الّذين يعبرون رأسي الآن بدءا بالبطل المبتسم في أشرطة السينما بالأبيض والأسود تبثّها التلفزة في سهرة الأربعاء فأفتح عينيّ بشتّى الألوان لأتمنى أن يحبّني. الوسيم عمر الشريف كيف أجعله يحبّني يترك فاتن حمامة ويأتي مسرعا لأكون بطلته؟ أحلام الطفولة كانت تتشكّل في القلب قبل الأوان وأنا أخفيها خجلا وحيطة أن تسرق منّي.

 يوم اكتشفت أنّ عمر الشريف، ككلّ الممثلين، يحبّ كلّ من يمثّل معهنّ اعتبرته خائنا وكتبت له قصيدة اقتبست نصف كلامها من أغنية وردة وخاصّة الجملة "كان اسمه حبيبي". واحتفظت بتجربة القصيدة العاشقة في جيب ميدعتي المدرسية وتفطّنت لها صديقتي وفضحتني عند المعلّم أثناء درس اللغة عن الفاعل. ما زلت أذكر الدرس وخطّ معلّمي الأنيق وصوته يوبّخني ولولا جوابي الصحيح في التمرين ما كنت نجوت من عقوبة ضرب مؤكّدة. أذكر وجه معلّمي الغاضب وصوته الذي قفز إلى قلبي قبل سمعي "من خالط العطار نال طيبه ومن خالط الفحّام نال سواده" ولا أدري كيف فهمت أنه قصد صديقتي وليس القصيدة التي بخطي وتشي بما في قلبي لعمر الشريف. أعاد إليّ الورقة. وكم وددت لو أخبرته بأنني لن أحبّ بطلا سينمائيا بعد اليوم وسأحبّه هو فهو أجمل من كلّ الأبطال.

 تجربة الحبّ كانت فاشلة جدا حينها وأنا في التاسعة فمعلّمي متزوّج وابنه الذي أتى به يوما إلى المدرسة جعلني أعتبر كلّ الرجال خائنين فالعُمَران متزوّجان وليس لي مكان في حياتهما. رحم الله معلّمي المحترم المتميّز والممثّل البطل العالمي. كبرت ورافقتُ صديقاتي وتجاربهنّ مع القلب وجعلت قلبي في مأمن بفضل المطالعة والمحاولات الأولى في الكتابة والتي كانت تلتقط جملا من كبار الكتاب ومن الأغاني ومن كلام رفيقاتي حتّى سمعت يوما صوت "خوليو اغليسياس" بلكنة فرنسية إسبانية حبيبة أخرجتْ قلبي من صندوقه وبدأتُ ألاحق أغنياته وأدّخر مصروفي لشراء شريط أغانيه، بل كثيرا ما كنت أقف لساعة وأكثر قبل دروس الثامنة صباحا في كافيتيريا تبثّ أغانيه. فأحفظ ما استطعت وأملأ قلبي بصوته وأبحث عن ملامح وجهه في خيالي وأصارع طواحين الريح لأجل الوصول إلى صوته. ويوم رأيت صورته في مجلة لأوّل مرة احتفظت بنسخة منها حتى رأيته في منوّعة يقبّل الفنانة الفرنسية "ميراي ماتيو" فتركته لها واكتفيت منه بأغانيه وانتظرت أن أطرق باب الحبّ بيدي مع شخص أراه ويقنعني حضوره في حياتي. مرّت حياتي. بحلو القلب ومرّه. ولم يكن هذا اليوم سوى ذكرى في روزنامة الأجداد الفلاّحين يروي أسطورة البرد والعنز و"النهار المتسلّف". وحين صار في تقاليدنا عيدَ حبّ لم أجد من الحبّ حبّا أو عيدا ولكن صفحات من الذّكرى يمرّ بعضها برأسي ويختفي بعضها في تجاويف قلبي ويظهر بعضها أمام الجميع يردّ عنّي برد "قرّة المعزة".

اليوم عيد الحبّ. والحبّ عيد، يوم في السنة، وقلبي ينبض طيلة السنة وينتظر العيد لولا رحمة من نبض الوقت فتحت صباحي بخفقة نبيلة تغطّيني من برد الصباح وارتعاش عظامي. وصار يومي عيدا للقلب.

 

وهيبة قويّة 

14 فيفري 2021


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا

وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters