20 يناير 2023

نافذة صباحيّة

نافذة صباحيّة
 

ضاءت نافذة الغرفة تعلن الصّباح. شعرت بالضّوء على جفنيّ. تشرّبته عيناي فابتعدت صور كنت أراها غائمة في ضباب النّوم.

حاولت فتح عينيّ ولكنّهما لم تنفتحا، بل صارتا بهرتيْ ضوء معلّقتين في الفراغ. جسدي أيضا معلّق في الفراغ مع أنّني ممدّدة في حضن فراشي، فِراشي القَلِق الأرِق مثلي والذي لم يهدأ منذ نويت النوم.

حاولت سحب الغطاء، لم ينسحب. ولم أشعر بدفئه ولا ببرد الغرفة. تسمّعت ما حولي ولكنّي لم أسمع إلاّ أصواتا تأتي من البعيد خافتة. كأنّها تختفي خلف الطرقات، أو تهرب من الفضوليين. وسمعت أصواتا أخرى تأتي من مكان أبعد لم أدركه ولكنّها اختفت داخلي مرتعشة. لم أفهم ما تقول. هي لم تحدّثني مباشرة ولكنّها وقعت عليّ واختبأت داخلي كطفل خائف. انتفضتُ ثمّ هدأتُ. وهدأتْ الأصوات حولي وداخلي. وغرق كلّ ما حولي في الهدوء والصمت.

مثل هذا الهدوء يحتاج إلى احتفال صباحيّ خاصّ. سأنهض وأوقظ نكهات الصباح عطوره. وأحتفل. لم يتحرّك جسدي. ولم يطاوعني. مازال معلّقا في الفراغ. أيّ ريح تحرّكه ليطير أو يرتفع أو يهوي؟ كلّ شيء هادئ. فلا ريح مرّت ولا نسمة.

حاولت مرارا أن أفتح عينيّ. انغلقتا أكثر. وشيئا فشيئا انزاح الضّوء عنهما. وحلّ ضباب كثيف فيهما ثمّ ظلام. ثم ارتسمت صور غائمة على السواد. وصرت أختار منها وأرتّبها وأتصرّف في أشكالها وألوّنها.

هنا أنا أقف على تلّ من شجر اللّوز. وهنا يداي تقطفان بياض الفرح زهر لوز. وهنا دفء الشّمس يجمع عظامي فأركض طفلة يحملها الحلم بأجنحة من نور. وهنا أقف وأراقب المدى المخضرّ الخضل. ويمضي بي جناح الحلم. فأختار صورة حقول القمح وأختفي بين السنابل. وباقة من شقائق النعمان أضمها إلى صدري. وأحرّك الرّيح فتحملني. وأرتفع معها إلى الغيم وأطلّ على جسدي الممدّد متعبا. وعيناي تطبقان على بقايا حلم يركض بعيدا عنّي. هنا أنا هادئة أجمع الصّمت في هدوء وأسكبه على جسدي لحنا يهدهده ليستفيق ويأخذني بعيدا.

هنا أنا أصوّر عالما يراودني ولا أعرفه ولكنّني أقبض عليه وأتمسّك بحباله حين أهوي في الفراغ ويسقط الفراغ داخلي. هنا أنا أحاول الحياة.

أنا هنا حولي ضوء الصّباح ورائحة اللّوز والقمح تستدرجني لأصعد من الهوّة.

حرّكت أصابع رجلي اليمنى. تحرّكت. هذه علامة أنّي هنا، خارجي. ففتحت عينيّ. ووصلني صوت الصباح:

"على جسر اللوزية تحت وراق الفيّة

هبّ الغربي وطاب النوم وأخذتنا الغفويّة

وسألوا كتير عليّ على جسر اللوزيّه..."

ووقفت على الجسر بيني وبيني معلّقة في عيون الصّباح...

وهيبة قويّة

من: أنا بخير فصل: فيبروميالجيا

19 يناير 2023

راس العين كتاب لـ: سلوى الراشدي

 

راس العين كتاب لـ: سلوى الراشدي

نصّ متأصّل في عاميّة ولاية القصرين (سبيطلة)، نصّ أصيل، تونسيّ، ينبش في ذاكرة أصيلة... امرأة، ثورة، بلاد، فروسيّة... حكاية من نسيج سرديّ قويم مطرّز بشعر مال إلى الغنائيّة والمواويل في شجن يدخل الرّوح ويتملّك بمسامها. فتعشق الرّوح النصّ والحكاية وتصير عينا قارئة وأذنا صاغية...

نصّ فصيحٌ، لسانه التّراث والموروث الأدبيّ الأصيل في عاميّة البلاد.

مبدعة سلوى الراشدي، وهي تأخذنا في تفاصيل راس العين مع المانعة وعبادة والوفاء...

مانعة وعْبادة... عتبة تحتاج وحدها إلى وقوف طويل في معنى الاسمين وفي نسيجهما داخل معنى الحكاية، حكاية الثورة مع عليّ بن غذاهم، وثورة القلب، وثورة النّفس حتّى الرّمق الأخير...

وهيبة قويّة

18 يناير 2023

كاندل

كاندل

ضوء الفجر يختفي خلف بقايا اللّيل. وأنا أختفي تحت الغطاء بحثا عن بقايا دفء محتمل. تحت جفنيّ بقايا نوم لو استسلمت إليه فسيحملني إلى الدّفء والأحلام. عظامي توخزها شحنة كهرباء باردة حارة في نفس الوقت.

القطة بشراستها الطبيعيّة تطلّ عليّ وهي تدوس بأقدامها القطنيّة الغطاء تمهّده لتنام في دفئه ودفء أنفاسي. وجودها قربي يزيد من لذع الكهرباء في عظامي. أتحرّك. فتفرّ مبتعدة ثمّ تعود لتطلّ على وجهي وتحاول لمسه بخوف. أنظر إليها فتشيح بنظرها كأنّها تقنع نفسها بأنّها لا تراني وتمهّد ثانية بأقدامها المكان ثمّ تستقرّ بين كتفي ورأسي وتسترخي... ولا أنام.

تخاتلني وأخاتل حركاتها وأبحث عن علاقة الكهرباء بهذه الكتلة القطنيّة الصامتة (كاندل قطيطتنا الشرسة لا تموء بل تخمش). لماذا يشتدّ لذع هذه الشحنة الّتي تعوّدتها منذ سنوات حين تتمدّد القطيطة قريبا منّي أو فوق رجليّ أو فوق كتفي؟

يقول جماعة الطاقة بأنّ القطط تتشرّب الطاقة السلبيّة وتنقّي المكان منها. فهل أحمل كلّ هذه الطاقة السلبيّة؟ غريب! أنا أشعر بالإيجابيّة وبالحياة وبالرغبة في الركض بعيدا عن الفراش والغطاء والصباح النائم في حضن البرد الرماديّ. وها أنا أطبق جفنيّ على بقايا النّوم وأنا أركض والقطّة تلاحقني وتظنّ أنّني ألعب معها وعظامي تئنّ تحت وطأة الوجع والكهرباء وتتمدّد بكلّ بردها على فراش يحاول إبعادها عنه فتجمع رميمها وتتكوّر بحثا عن دفء محتمل في صباح بارد يرفع ستائره الرماديّة على ضوء خافت مازال الظلام يخالطه.

وحدها القطة في كلّ هذا البرد المعتم تجد حلم بياضها الدافئ وتسترخي متجاهلة حركة الصباح.

#وهيبة_قويّة


15 يناير 2023

إذا لم تدخل متاهة بعد، فاقرأ دمية كوكوشكا لأفونسو كروش، وهيبة قويّة

إذا لم تدخل متاهة بعد،

فاقرأ دمية كوكوشكا لأفونسو كروش.

هل جربت أن تدخل متاهة؟

هل تظنّ أنّك قادر على دخول متاهة والخروج منها سالما؟

هل فكّرت يوما أن تلتقي ببعض الناس، أو تلتقي بي ولو على سبيل الافتراض «في اللانهاية، مثلما تفعل الخطوط المستقيمة المتوازية»؟

يمكنك أن تجرب الإحساس بالضياع في عالمك أو أن تخرج من القفص الّذي في داخلك حين تغامر بقراءة رواية "دمية كوكوشكا" للروائيّ البرتغاليّ أفونسو كروش، وسترى كيف تخرج من المتاهة بتجربة حياة فيها الفلسفة ممزوجة بالسذاجة، والواقع بالخيال، والحقيقة بالأسطورة، والفنّ بالفوضى أو بالعدم، والأديان بالإلحاد، والحرب بالحبّ، والقنابل بالموسيقى، وعالم الرواية بالرسم، والسرقات الأدبية بالبحث عن الشهرة بأسماء كتّاب آخرين...

ستَعُدُّ فصول روايتك بالآلاف حتّى تصل إلى فصل اللاّنهاية، وتقفز في الرواية على أحداث عشرات الفصول لا تكتبها، أو ربّما ألف فصل لم تكتبه، ولكنّك تظلّ ممسكا بزمام الرّواية وتجد لها المنطق المناسب لتكملها دون خلل في مبناها أو معناها...

وستقف أمام باب الغرفة الأخير، «باب الشارع»، «الوحيد الباقي لنا كي نفتحه في شقتنا.»

وستتأكّد أنّ «رؤية العالم لا تقتصر على ما نراه فحسب... إنّها أيضا الشيء الّذي نتخيله»، وأنّه «لا يوجد أيّ شيء أكثر كمالا من الأدب.» لأنّ حياتنا تحاكي الفنّ كما في عنوان أحد الفصول الأخيرة من الكتاب.

هذه الفصول الكثيرة القصيرة ذات العناوين الطويلة الّتي تجعلك تسأل في كلّ مرّة تقلب فيها الصفحة: إلى أين سيأخذني هذا الكاتب المجنون؟ أو: كيف سيخرجني من هذه المتاهة؟ أو: إلى أين يسحبني بكلّ هذه الخيوط المتشابكة؟ أو ربّما تصيح بالكاتب: ارحل أيّها المجنون واتركني أضيع.

وقد تفكّر بترك الكتاب ولكنّه يلتصق بيديك وعينيك ويسحب وعيك ولا وعيك وخيالك ويشدّك لتكمل كلّ حرف فيه ثمّ تعيد قراءة جمل بعينها وأنت تضحك لحروف الأبجدية كلّها وربّما ترتّلها في صلاتك مثل "إسحاق درسنر" وتقول آمين لأنّك لا تعرف كيف ترتّب الحروف في كلمات تقول ما تريد الصلاة به بين يدي الله. وستبتسم أيضا لكلّ الناس وأنت تسند إليهم الأسماء وفق السلّم الموسيقيّ.

وقد تعيد النظر في الحرب الثانية وتقرأ ملامح الإنسان الذي خلّفته فتوافق الكاتب أو تختلف معه لأنّ الحرب تغيّر الرجال: «لم يعد رجلا، كان حطاما آخر من حطام العالم، كبقايا طعام. داخل عينيه يُرى جيّدا فراغ مفتوح فيه قنابل.» وقد تسرح مع معزوفة "الدموع" لـــ"جانغو رينهارت" ثمّ تعيد النظر في ظلالك اليوم... نعم، اليوم، الآن وهنا، ثمّ تفكّر في كلّ ما حدث ويحدث وما سيحدث لأنّ الزمان له أكثر من بُعد في اللّحظة الواحدة التي يمرّ بها...

وقد تنسى الزمان وتصير "بيغماليون" وتصنع دميتك بكلّ تفاصيل حبيبتك وتجاعيدها أيضا ثمّ تبعث في هيكلها صلاتك وفراشات الروح، أو تحطّمها لأنّك تريد الحياة بلا أقفاص، ولأنّك ببغاء أو كناري أصيل ولا تزيّف ألوان ريشك لتصير شبيها بأيّ طائر آخر... لأنّك حرّ، ولأنّك فتحت أبواب القفص بداخلك، ولأنّك فتحت باب الشارع الأخير في بيتك، ولأنّ مرضك له اسم، ولأنّ صلاتك على قدر نيّتك وثقتك بالله، ولأنّك تعرف أنّ الله لا "يلعب السكرابل" ويعرف صلاتك وفراشة روحك وخطاياك وصلاحك وألوان لوحاتك وطلاسم "لوحك"... لأنّك ببساطة إنسان بسيط وحرّ.

قد تنهي الكتاب بحكمة تعلّمتَها وأنت تدور في متاهاته، وقد تخرج بملامح عالم جديد بأبعاد ثلاثية ورباعية وخماسية وأنت تتهجّى أبجديّات عالم غرائبيّ... وقد تخرج وذهنك خال من كلّ حدث وأنت تبحث عن ذاتك، ولكن ستخرج حتما من المتاهة برأس جديد لأنّ «رؤسنا عالم من الأشباح ولا توجد جراحة عصبية للمخّ يمكن أن تُجرى للخرافات. عليهم أن يبدّلوا طاولة العمليات بلوح الويجا، لوح الروح.» وستفرح حتما لأنّك خرجت من القفص الّذي بداخلك وصار ظلّك عصفورا.

وستفرح أيضا لأنّك ستواصل المسير في متاهة الحياة وأنت لا تملك أن تصنّف الكتاب ضمن الروايات ولا ضمن الفلسفات ولا ضمن بعض نظريات الرياضيات والفيزياء، لأنّها كلّ ذلك معا. وستنهي الكتاب وفي ذهنك كلّ الألوان والأشكال والموسيقى والقصّ الغرائبي لتعيد رسم عالم نجا من الحرب ومن «الأربعة آلاف طنّ من القنابل الّتي سقطت على درسدن خلال الحرب العالميّة الثانية.» ولم يبقَ منها سوى ظلالها السوداء، وتفاصيل مشتّتة. سترسم هذا العالم ولكنّك حتما لن تزيّف ألوان العصافير ولن تسرق رواية "توماس مان" ولن ترتّل للإله صلاتك المشتتة ليرتب حروفها بنفسه لأنّك لم تعد ساذجا، ولست مجرّد أشلاء ممزّقة، ولأنّك لست فيلا في دكّان من زجاج، ولا رجلا برأس به ثلاث نقاط مسترسلة، ولا كائنا ورقيّا تخدعه ظلاله، ولا صوتا تحت الأرض مختبئا يملي أسعار البضائع على الآذان الملتصقة بالأرض... ولست مجازا ولا فصلا منفصلا في رواية مؤلّفة من حروف سكرابل أو "باتشوورك" Patchwork تجمّع قطع نسيجه خيوطُ اللّغة في نسيج عجائبي، وفي رواية مضمَّنة تقفز على فصولها في رواية مفكّكة تحاول تجميع أجزائها وفرض منطقها...

أحببت متاهة أوفونسو كروش الروائيّ الرسام الذي يفكّر برأس الرسام ليكتب بألوان روائية مختلفة فتضع السؤال المناسب عن روحك وتتأكّد أنّها بوزن فراشة ليس أكثر، فتطلقها نحو النور لتحترق بنار المعرفة وتصير شعلة حياة. بل تصير كائنا ضمن لوحة تشكيليّة تطردك من مساحتها وتجعل منك المسمار الذي يشدّها إلى الجدار حتّى تراها مكتملة لأنّه «لا يوجد أيّ شيء أكثر كمالا من الأدب» وتحديدا الأدب الذي يفرّ شكلا ومضمونا إلى لوحة رسّام وإلى موسيقى الروح وإلى "لوح الويجا" ليُجري بنفسه عمليّة جراحيّة على الأشباح في الخرافات الّتي في رأسك حتّى ترى العالم كما تتخيّله أو كما يفترض أن يكون.

أخرج من المتاهة، متاهة "دمية كوكوشكا" مبتسمة وقد ارتسمت أمامي بعض علامات الطّريق.

وهيبة قويّة، جانفي 2023 

الكتاب: دمية كوكوشكا

المؤلّف: أفونسو كروش، من البرتغال

تاريخ النشر: 2018

الناشر: مسكيلياني للنشر والتوزيع

عدد الصفحات: 306 صفحة

 

14 فبراير 2022

عيد الحبّ


عيد الحبّ

بدأ صباحي في شكل قلب كبير، قلب يتّسع لكلّ النّاس، يرى الحبّ في التفاصيل الصّغيرة وفي أغنيات الصباح وفي بقايا الورد في ذاكرتي البعيدة وفي عطر منسيّ في رفوف المراهَقة وفي ابتسامات تطلّ خيالاتها من بعيد وتتلاشى وفي دفء همسة تحرّك الشجن وتترك أملا كبيرا في حبّ ألقاه في منعطف الحياة.

 مع خفقات قلب الصباح تصفّحت صورا ترامت في ثنايا ذاكرتي وامتدّت ظلال أطيافها بين الضّوء المتسلّل من النافذة وضوء الفكرة. عيد الحبّ في يوم برد يراوغ المواقف منه بين داع له ونافر منه، وأكداس الهدايا تعبر صفحات الفضاء الأزرق في لمح البصر. والحبّ يفيض بأشكال القلوب والأمنيات ويعبر أرجاء الكون فاتحا ذراعيه. الكلّ يحبّ الكلّ. وأنا أحبّ الكلّ، كلّ هؤلاء الّذين يعبرون رأسي الآن بدءا بالبطل المبتسم في أشرطة السينما بالأبيض والأسود تبثّها التلفزة في سهرة الأربعاء فأفتح عينيّ بشتّى الألوان لأتمنى أن يحبّني. الوسيم عمر الشريف كيف أجعله يحبّني يترك فاتن حمامة ويأتي مسرعا لأكون بطلته؟ أحلام الطفولة كانت تتشكّل في القلب قبل الأوان وأنا أخفيها خجلا وحيطة أن تسرق منّي.

 يوم اكتشفت أنّ عمر الشريف، ككلّ الممثلين، يحبّ كلّ من يمثّل معهنّ اعتبرته خائنا وكتبت له قصيدة اقتبست نصف كلامها من أغنية وردة وخاصّة الجملة "كان اسمه حبيبي". واحتفظت بتجربة القصيدة العاشقة في جيب ميدعتي المدرسية وتفطّنت لها صديقتي وفضحتني عند المعلّم أثناء درس اللغة عن الفاعل. ما زلت أذكر الدرس وخطّ معلّمي الأنيق وصوته يوبّخني ولولا جوابي الصحيح في التمرين ما كنت نجوت من عقوبة ضرب مؤكّدة. أذكر وجه معلّمي الغاضب وصوته الذي قفز إلى قلبي قبل سمعي "من خالط العطار نال طيبه ومن خالط الفحّام نال سواده" ولا أدري كيف فهمت أنه قصد صديقتي وليس القصيدة التي بخطي وتشي بما في قلبي لعمر الشريف. أعاد إليّ الورقة. وكم وددت لو أخبرته بأنني لن أحبّ بطلا سينمائيا بعد اليوم وسأحبّه هو فهو أجمل من كلّ الأبطال.

 تجربة الحبّ كانت فاشلة جدا حينها وأنا في التاسعة فمعلّمي متزوّج وابنه الذي أتى به يوما إلى المدرسة جعلني أعتبر كلّ الرجال خائنين فالعُمَران متزوّجان وليس لي مكان في حياتهما. رحم الله معلّمي المحترم المتميّز والممثّل البطل العالمي. كبرت ورافقتُ صديقاتي وتجاربهنّ مع القلب وجعلت قلبي في مأمن بفضل المطالعة والمحاولات الأولى في الكتابة والتي كانت تلتقط جملا من كبار الكتاب ومن الأغاني ومن كلام رفيقاتي حتّى سمعت يوما صوت "خوليو اغليسياس" بلكنة فرنسية إسبانية حبيبة أخرجتْ قلبي من صندوقه وبدأتُ ألاحق أغنياته وأدّخر مصروفي لشراء شريط أغانيه، بل كثيرا ما كنت أقف لساعة وأكثر قبل دروس الثامنة صباحا في كافيتيريا تبثّ أغانيه. فأحفظ ما استطعت وأملأ قلبي بصوته وأبحث عن ملامح وجهه في خيالي وأصارع طواحين الريح لأجل الوصول إلى صوته. ويوم رأيت صورته في مجلة لأوّل مرة احتفظت بنسخة منها حتى رأيته في منوّعة يقبّل الفنانة الفرنسية "ميراي ماتيو" فتركته لها واكتفيت منه بأغانيه وانتظرت أن أطرق باب الحبّ بيدي مع شخص أراه ويقنعني حضوره في حياتي. مرّت حياتي. بحلو القلب ومرّه. ولم يكن هذا اليوم سوى ذكرى في روزنامة الأجداد الفلاّحين يروي أسطورة البرد والعنز و"النهار المتسلّف". وحين صار في تقاليدنا عيدَ حبّ لم أجد من الحبّ حبّا أو عيدا ولكن صفحات من الذّكرى يمرّ بعضها برأسي ويختفي بعضها في تجاويف قلبي ويظهر بعضها أمام الجميع يردّ عنّي برد "قرّة المعزة".

اليوم عيد الحبّ. والحبّ عيد، يوم في السنة، وقلبي ينبض طيلة السنة وينتظر العيد لولا رحمة من نبض الوقت فتحت صباحي بخفقة نبيلة تغطّيني من برد الصباح وارتعاش عظامي. وصار يومي عيدا للقلب.

 

وهيبة قويّة 

14 فيفري 2021


وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters