25 يناير 2023

إشراقات نافذة

 

بأعلى الجدار الّذي أتكئ عليه نافذة صغيرة تتعلّق بأهداب السقف، تفتح عينيها للضّوء وتعمل عمل الرّئة للمكان، وتراقب الباب أمامها، كعين كاميرا. لا يستطيع أحد الحركة دون أن ترصده. فموقعها استراتيجيّ ما بين ضفّتي الجدار. فهي تقف على حدود الخارج بشمسه وهوائه وتقلّباته وحياته، وتشرف على الدّاخل بعتمته ونقص هوائه، لولا الضّوء العابر من عينيها، ولولا ما تجود به من الهواء العابر بها... وتطلّ على رتابة المكان، وتفاصيل حياته البطيئة الهادئة.

لا ألقي للنّافذة بالا في الغالب، ربّما لأنّها موجود ضروريّ جعلته العادة من الموجودات العادية الّتي لا تلتقطها حواسّي بلهفة وانتباه، وربّما لأنّها أصغر من أن أعطيها اهتمامي، أو ربّما لأنّها أعلى من إدراك بصري وما يهمّني هو أثرها في المكان. وإلى وقت قريب كنت أفضّل الاهتمام بالباب وأنا أسند ظهري إلى جدار النّافذة فأرتاح من صخب نفسي ورأسي وفوضى أيّامي وطول لياليّ الّتي يسودها نوم متقطّع.

وذات يوم، مرّت عاصفة بالخارج كادت تقتلع النّافذة من مكانها، وهطلت أمطار غزيرة ضربت النافذة بسياط مائها ولم ترحل إلاّ وقد غشي بصر النافذة قذى وانطفأت بهرة الضوء من عينيها أو كادت.

وكما تبدأ كلّ حكايات العشق منذ الأزمان الغابرة، نظرت إلى النافذة أعلى الجدار، وتعلّق بها نظري، ثم أسرعت لأصعد على كرسيّ وضعته على طاولة لأصل إلى عينيها الذّابلتين وفي يديّ ما أمكن من موادّ التنظيف ووسائله. وطفقت أنظّفهما وأجتهد لإزالة ما وقع فيهما من الأذى. واجتهدت في ذلك فأعدت البريق إلى الزجاج المؤطَّر. وابتسمت. فنظرت إليّ وشعاع الشّمس الباهت خارجها ينفذ من خلالها شديد الإشراق. وطاف بالمكان وأشعّ في كلّ التفاصيل حولي. وصار المشهد كلّه تحت الضّوء وكم كنت أحتاج إلى بهرة الضّوء هذه لأرسل روحي خارج المكان مثل عصفور منطلق لا تعطّله قضبان القفص.

وقعت في عشق النّافذة الصغيرة العالية. فرتّبت مكاني قبالتها وصرت أجلس يوميّا في مكاني الجديد أسند ظهري على الجدار المقابل لها وأتمتّع بما ترسله إليّ من إشراق الشّمس أو من ظلمة اللّيل. وحبوتها بتنظيف دائم لتظلّ الابتسامة رفيقتنا وعيناها تراقبان يومي وما أفعله تحت طائلة ناظريها. بل، أنا، كنت أراقبها وأراقب قطعة السّماء التي تهرّبها عيناها إليّ.

...

وهيبة قويّة

 

22 يناير 2023

قراءة في "فنّ الحياة سعيدا" من خلال "كتاب الإيكيغاي الصّغير" لـــ "كين موغي"، وهيبة قويّة

كتاب الإيكيغاي الصّغير لــ "كين موغي"
 

قراءة في "فنّ الحياة سعيدا" من خلال
"كتاب الإيكيغاي الصّغير" لـــ "كين موغي"

كنت أتصفّح قائمة كتب يابانيّة حين طلع عليّ عنوان " كتاب الإيكيغاي الصّغير" لــ "كين موغي". الإيكيغاي، كلمة غريبة، طبعا لأنّها يابانيّة وأنا لا أعرف اليابانيّة.

أثارني العنوان خاصّة وقد نعت الكتاب بالصّغير، (ودار في رأسي عنوان: الأدب الصّغير والأدب الكبير لابن القفّع) فأردت معرفة الصّغير، وحدّثت نفسي أنّي إن وجدته مسلّيا فسأبحث عن معرفة الكبير ثمّ ما هو أكبر. ما أثارني أكثر هو العنوان الجزئيّ الطّويل تحت العنوان الكبير على كتاب صغير الحجم (86 صفحة) "الأسلوب اليابانيّ المثاليّ لمعرفة هدفك في الحياة". وبنظرة متفائلة، رأيت أنّ الكتاب مناسب لصباح متكاسل يبحث لي عن مثير للخروج من دفء الفراش إلى برد مفاجئ في الطّقس، ومناسب أيضا للإنفلونزا قبل مفاجآت العطاس والسّعال والحمّى. وقد كثرت مفاجآت الكتاب منذ صفحاته الأولى ثمّ... عنوان الفصل الثاني: "سبب نهوضك من السرير صباح كلّ يوم." أظنّ أنّ الكتاب بحث عنّي ووجدني، ابتسمت للكتاب وكاتبه وأنهيت القراءة بسرعة، ولم أخرج من الفراش. فالكتاب من النّوع الّذي يحتاج إلى قراءة ثانية لأستفيد تطبيقيّا بنظريّة السعادة فيه. فهذا نوع من الكتب يظهر ليسعد القارئ لذاته قبل أن يضعه أمام أسئلة الوجود البسيطة ليجد، لا أهدافه فحسب، بل أيضا سعادته كلّ يوم.

تحدّث "كين موغي" في كتابه " الإيكيغاي الصّغير"، عن أساليب حياة اليابانيّين في تحقيق السعادة من خلال قواعد في ظاهرها بسيط، تتجلّى في أبسط ما يمكن أن يفعله الإنسان خلال يومه، وهو يعرض أساليب حياة أهالي جزيرة "العمر الطّويل" إيكيناوا اليابانيّة، ونماذج من الحياة اليوميّة اليابانيّة المستمدّة من ثقافتهم القديمة المتوارثة منذ مئات السّنين، مثل تقاليد شرب الشّاي واجتماع الساموراي حوله، وتقاليد ممارسي رياضة السومو، وعمل بعض الحرفيّين... ممّا يفتح نافذة على ثقافة اليابان الّتي تكشف فلسفة الحياة عند هذا الشّعب من خلال مظاهر تفانيه منذ القدم في "العمل"، مهما كان بسيطا، والإخلاص له وإتقانه الذّي عزّ عند كثير من الشّعوب، أو ممارسة الحياة اليوميّة في تفاصيلها البسيطة. فشعب اليابان مثلا لا يعرف "التقاعد" ولغته ليس فيها كلمة "تقاعد" وأوّل ما يتعلّمه الأطفال في اليابان هو كلمة "المثابرة" والّتي يعتبرها اليابانيون أوّل بنود السّعادة وطول العمر.

ومن هنا ظهر مبدأ "الإيكيغاي" فهي كلمة تعبّر عن أسلوب حياة المعمّرين في جزيرة إيكيناوا باليابان. وتعني أحداث الحياة اليوميّة البسيطة، وتعني الأهداف الكبرى أيضا. ولغة تعني "إيكي" يعيش، و"غاي" سبب. لتدلّ على مبدأ روحيّ معناه أن يجد كلّ إنسان سببا يعيش لأجله. ويتلخّص في حسن تقدير الحياة والحلم الّذي لأجله يعيش الإنسان وذلك بتقدير التّفاصيل الصّغيرة. ويأخذ الكاتب مثالا لذلك، من بين أمثلة كثيرة، أنّ الّذين لا ينهضون من فراشهم صباحا لن يجدوا الرّغبة في الحياة وعليهم البحث عن المعنى يدفعهم للنّهوض باكرا. فالإيكيغاي إذن يلخّص حكمة اليابانيين في الحياة المتميّزة بالرّقّة والأخلاق والأفعال المتأصّلة في المجتمع الياباني، والّتي تطوّرت عبر مئات السّنين وجعلت اليابانييّن يعمّرون طويلا وينعمون بالسّعادة في "إيكيناوا" خاصّة ثمّ في كلّ اليابان. ويمكن لكلّ إنسان غير يابانيّ أيضا أن يجده.

فالإيكيغاي هو نمط حياه يوميّ يقوم على تنشيط العقل، والاستمراريّة في الانتاج، واتّباع الشّغف لتقوية الرّغبة في الحياة، واتّباع نظام غذائيّ معيّن، والحرص على الرياضة، والنّوم الكافي والاهتمام بالرّوح المتفائلة والابتسامة. وهو ما سيجعل كلّ شخص ينعم بالإيكيغاي، فلكلّ شخص إيكيغاي خاصّ به.

ويفصّل "كتاب الايكيغاي الصّغير" كيف يتوازن الإنسان في حياته لتحقيق السّعادة. وكيف يصنع النمط الّذي يناسبه للعيش بالإجابة عن أسئلة أربعة تهتمّ بحياته وهي:

- ماذا يحبّ؟

- ماذا يجيد؟

- ما الّذي يمنحه مكافأة/ راتب؟

- ماذا يحتاج العالم من حوله؟

ويكمن الإيكيغاي في المشترك بين هذه المسائل، لذلك على كلّ شخص يحسن الإجابة عن هذه الأسئلة ليحصل على الإيكيغاي الخاصّ به. فإذا عرف بداية الطّريق فسيجد سعادته الخاصّة إذا اتّبع طريقه بهذه الأركان الخمسة وهي:

1/ البدء بالأشياء الصّغيرة.

2/ إطلاق العنان للنّفس.

3/ التناغم والاستدامة.

4/ متعة الأشياء الصّغيرة.

 5/ عيش اللّحظة.

ويقول "كين موغي" في مقدّمة الكتاب عن هذه الأركان: «غالبا ما تكون هذه الأركان مطروحة على بساط البحث والنّقاش، لأنّ كلّ ركن منها يتيح للسّعادة أن تزدهر. والجدير بالذّكر هنا أنّ هذه الأركان ليست ذات طبيعة تبادليّة، وليست في الوقت عينه حصريّة أو شاملة، كما أنّ لا ترتيب هرميّ لها. ولكنّ هذه الأركان مجتمعة تكوّن مفهوما أساسيّا للسّعادة، وستكون دليلا أثناء قراءتك الصّفحات التّالية الّتي ستؤثّر في حياتك. هذه الأركان سيكون لها على الدّوام عظيم الأهمّيّة في الحياة»

ورغم أنّ الكاتب اعتبر كتابه رحلة استكشاف إلاّ أنّ القارئ سيجد أنّ هذه الأركان الخمسة هي منهج الحياة الّتي تتشبّع بها طاقة الحياة عند اليابانيين ويمكنه الاستفادة منها في حياته الخاصّة. وهي فلسفة في ظاهرها البساطة ولكنّها عميقة حين تصير جزءا من الحياة الّتي نحياها وحين نضع هدفنا ونمضي بثقة الأطفال بأنّ كلّ شيء ممكن، وبأنّ كلّ ما ننجزه، مهما كان بسيطا، فإنّه يحقّق السّعادة ويضمن الشّباب الدائم ويغيّر حياة الإنسان بشكل كامل وجذري، ويجعله ينعم بصحّة جيّدة وأكثر سعادة ورضا ويخفّف من ضغوط حياته، إضافة إلى أنّه يجعله أكثر إبداعا ونجاحا إذا عرف كيف يقدّر هذه الفلسفة الحياتيّة ويتعلّم كيفيّة تطبيقها فى حياته.

هذا بإيجاز فنّ "الإيكيغاي" لـ "كين موغي" في كتاب صغير بأفكار عملاقة.

قد ننسى أشياء كثيرة لا نقولها في تلخيص الكتب، ولكنّ الأكيد أنّنا نقول ما يعجبنا من الكتاب. وما أعجبني هو الكلام القليل والجمل المحدّدة الّتي تحوصل فلسفة كاملة موضوعها القواعد الخمسة لتكون سعيدا وتحافظ على شبابك وأنت تتقدّم في السنّ.

فإذا أعدنا السّؤال: كيف نحقّق سعادتنا تذكّر المثل اليابانيّ «سِرْ ببطء وستصل بعيدا» وجملة "كين موغي" في آخر الكتاب: «أنت لا تحتاج إلى الثّورة بل تحتاج إلى التطوّر.» نعم: التطوّر. فالسّعادة لا تكون إلاّ باتّباع خطوات ثابتة مهما كانت قليلة تبلغ إلى التطوّر وتبعد عن الثّورات والتوتّر "مقصّر العمر" و"ماحي السّعادة". ماذا سنجني من ثورة تزلزل كلّ شيء وتجعلك ترى سعادتك في يد غيرك. ابتسم واشرب قهوتك وضع هدفا بسيطا ليومك وثابر، ستخرج من فراشك حتما ولو لأجل قطعة شوكولا تركتها في الثلاّجة أو لأجل قهوة تشارك بها أفكار كاتب يحاول أن يصف لك كيف يعيش أهل "إيكيناوا" المعمّرين السّعداء فيدفعك إلى شريان الحياة... ببساطة، وبابتسامة.

كين موغي، يابانيّ آخر أضيفه إلى قائمة الكتّاب اليابانيين المثيرين بأسلوبهم الشيّق البسيط الواضح العميق وكتاباتهم المنهجيّة وأحيانا السورياليّة، ويسعدني أن أحفظ الاسم "كين موغي" مع كتّاب اليابان هاروكي موراكامي، يوكو مشيما، ياسوناري كواباتا...

وهيبة قويّة

 لقراءة الكتاب ادخل إلى الرابط التالي:

اضغط هنا

noor-book.com/grq2pw

20 يناير 2023

نافذة صباحيّة

نافذة صباحيّة
 

ضاءت نافذة الغرفة تعلن الصّباح. شعرت بالضّوء على جفنيّ. تشرّبته عيناي فابتعدت صور كنت أراها غائمة في ضباب النّوم.

حاولت فتح عينيّ ولكنّهما لم تنفتحا، بل صارتا بهرتيْ ضوء معلّقتين في الفراغ. جسدي أيضا معلّق في الفراغ مع أنّني ممدّدة في حضن فراشي، فِراشي القَلِق الأرِق مثلي والذي لم يهدأ منذ نويت النوم.

حاولت سحب الغطاء، لم ينسحب. ولم أشعر بدفئه ولا ببرد الغرفة. تسمّعت ما حولي ولكنّي لم أسمع إلاّ أصواتا تأتي من البعيد خافتة. كأنّها تختفي خلف الطرقات، أو تهرب من الفضوليين. وسمعت أصواتا أخرى تأتي من مكان أبعد لم أدركه ولكنّها اختفت داخلي مرتعشة. لم أفهم ما تقول. هي لم تحدّثني مباشرة ولكنّها وقعت عليّ واختبأت داخلي كطفل خائف. انتفضتُ ثمّ هدأتُ. وهدأتْ الأصوات حولي وداخلي. وغرق كلّ ما حولي في الهدوء والصمت.

مثل هذا الهدوء يحتاج إلى احتفال صباحيّ خاصّ. سأنهض وأوقظ نكهات الصباح عطوره. وأحتفل. لم يتحرّك جسدي. ولم يطاوعني. مازال معلّقا في الفراغ. أيّ ريح تحرّكه ليطير أو يرتفع أو يهوي؟ كلّ شيء هادئ. فلا ريح مرّت ولا نسمة.

حاولت مرارا أن أفتح عينيّ. انغلقتا أكثر. وشيئا فشيئا انزاح الضّوء عنهما. وحلّ ضباب كثيف فيهما ثمّ ظلام. ثم ارتسمت صور غائمة على السواد. وصرت أختار منها وأرتّبها وأتصرّف في أشكالها وألوّنها.

هنا أنا أقف على تلّ من شجر اللّوز. وهنا يداي تقطفان بياض الفرح زهر لوز. وهنا دفء الشّمس يجمع عظامي فأركض طفلة يحملها الحلم بأجنحة من نور. وهنا أقف وأراقب المدى المخضرّ الخضل. ويمضي بي جناح الحلم. فأختار صورة حقول القمح وأختفي بين السنابل. وباقة من شقائق النعمان أضمها إلى صدري. وأحرّك الرّيح فتحملني. وأرتفع معها إلى الغيم وأطلّ على جسدي الممدّد متعبا. وعيناي تطبقان على بقايا حلم يركض بعيدا عنّي. هنا أنا هادئة أجمع الصّمت في هدوء وأسكبه على جسدي لحنا يهدهده ليستفيق ويأخذني بعيدا.

هنا أنا أصوّر عالما يراودني ولا أعرفه ولكنّني أقبض عليه وأتمسّك بحباله حين أهوي في الفراغ ويسقط الفراغ داخلي. هنا أنا أحاول الحياة.

أنا هنا حولي ضوء الصّباح ورائحة اللّوز والقمح تستدرجني لأصعد من الهوّة.

حرّكت أصابع رجلي اليمنى. تحرّكت. هذه علامة أنّي هنا، خارجي. ففتحت عينيّ. ووصلني صوت الصباح:

"على جسر اللوزية تحت وراق الفيّة

هبّ الغربي وطاب النوم وأخذتنا الغفويّة

وسألوا كتير عليّ على جسر اللوزيّه..."

ووقفت على الجسر بيني وبيني معلّقة في عيون الصّباح...

وهيبة قويّة

من: أنا بخير فصل: فيبروميالجيا

19 يناير 2023

راس العين كتاب لـ: سلوى الراشدي

 

راس العين كتاب لـ: سلوى الراشدي

نصّ متأصّل في عاميّة ولاية القصرين (سبيطلة)، نصّ أصيل، تونسيّ، ينبش في ذاكرة أصيلة... امرأة، ثورة، بلاد، فروسيّة... حكاية من نسيج سرديّ قويم مطرّز بشعر مال إلى الغنائيّة والمواويل في شجن يدخل الرّوح ويتملّك بمسامها. فتعشق الرّوح النصّ والحكاية وتصير عينا قارئة وأذنا صاغية...

نصّ فصيحٌ، لسانه التّراث والموروث الأدبيّ الأصيل في عاميّة البلاد.

مبدعة سلوى الراشدي، وهي تأخذنا في تفاصيل راس العين مع المانعة وعبادة والوفاء...

مانعة وعْبادة... عتبة تحتاج وحدها إلى وقوف طويل في معنى الاسمين وفي نسيجهما داخل معنى الحكاية، حكاية الثورة مع عليّ بن غذاهم، وثورة القلب، وثورة النّفس حتّى الرّمق الأخير...

وهيبة قويّة

18 يناير 2023

كاندل

كاندل

ضوء الفجر يختفي خلف بقايا اللّيل. وأنا أختفي تحت الغطاء بحثا عن بقايا دفء محتمل. تحت جفنيّ بقايا نوم لو استسلمت إليه فسيحملني إلى الدّفء والأحلام. عظامي توخزها شحنة كهرباء باردة حارة في نفس الوقت.

القطة بشراستها الطبيعيّة تطلّ عليّ وهي تدوس بأقدامها القطنيّة الغطاء تمهّده لتنام في دفئه ودفء أنفاسي. وجودها قربي يزيد من لذع الكهرباء في عظامي. أتحرّك. فتفرّ مبتعدة ثمّ تعود لتطلّ على وجهي وتحاول لمسه بخوف. أنظر إليها فتشيح بنظرها كأنّها تقنع نفسها بأنّها لا تراني وتمهّد ثانية بأقدامها المكان ثمّ تستقرّ بين كتفي ورأسي وتسترخي... ولا أنام.

تخاتلني وأخاتل حركاتها وأبحث عن علاقة الكهرباء بهذه الكتلة القطنيّة الصامتة (كاندل قطيطتنا الشرسة لا تموء بل تخمش). لماذا يشتدّ لذع هذه الشحنة الّتي تعوّدتها منذ سنوات حين تتمدّد القطيطة قريبا منّي أو فوق رجليّ أو فوق كتفي؟

يقول جماعة الطاقة بأنّ القطط تتشرّب الطاقة السلبيّة وتنقّي المكان منها. فهل أحمل كلّ هذه الطاقة السلبيّة؟ غريب! أنا أشعر بالإيجابيّة وبالحياة وبالرغبة في الركض بعيدا عن الفراش والغطاء والصباح النائم في حضن البرد الرماديّ. وها أنا أطبق جفنيّ على بقايا النّوم وأنا أركض والقطّة تلاحقني وتظنّ أنّني ألعب معها وعظامي تئنّ تحت وطأة الوجع والكهرباء وتتمدّد بكلّ بردها على فراش يحاول إبعادها عنه فتجمع رميمها وتتكوّر بحثا عن دفء محتمل في صباح بارد يرفع ستائره الرماديّة على ضوء خافت مازال الظلام يخالطه.

وحدها القطة في كلّ هذا البرد المعتم تجد حلم بياضها الدافئ وتسترخي متجاهلة حركة الصباح.

#وهيبة_قويّة


وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب*** وأنت المرايا تلمّ زوايا العطور وغير الزّوايا ***مظفّر النوّاب***
زاوية دافئة من القلب *** مدوّنة خاصّة *** وهيبة قويّة *** الكتابة عصير تجربة ولحظة صدق تحرّرنا من قيود تسكن داخلنا، نحرّرها، فنتنفّس. ***وهيبة قويّة

الأكثر مشاهدة هذا الشهر

مرحبا بزائر زوايانا

free counters