لوحة للفنّانة التشكيلية إيمان بن ابراهيم/ تونس
ضمن المعرض الجماعي: تنويعات نسائيّة
أفقت بعد
ساعتين من النّوم الخالي من الأحلام بلا صداع ولكن مع وجع شديد في كتفي الأيسر
وساقي اليسرى وخاصّة منها الكعب. وأعلن الصباح بدايته بسعال غريب شبيه بسعال
العجائز حين يصيبهنّ البرد، خرج من أقصى رئتيّ وأحرق صدري. فأسرعت أنبّه حواسي.
اضطربت
قارورة العطر الّتي لا تبتعد عن متناول اليد. فابتسمتُ لها. لا رائحة أفضل من
العطور لأتأكّد أنّني لم أفقد حاسّة الشمّ. وتشمّمت رائحة الصّباح. فنفرت واختلطت
وهربت. حملت وجع ساقي وكتفي وأحضرت قهوتي. فهي الطّبيب الّذي لا ريب فيه. مرارتها
في كلّ رشفة ثابتة مع أنّ رائحتها باهتة وكأنّها أصيبت بوباء العصر.
لم أحدّثها
كما العادة، واكتفيت بارتشافها. ربّما أظلم قهوتي بهذا. ولكن ما أفعله معها يحميها
من هلوستي الصباحيّة ويطمئنني، إذ لم تصبح القهوة اختبارا لحواسّي فحسب بل معها
أقتنع بفكرة الحماية الذّاتيّة من الفيروس الكوروني ومعها أبدأ بتطبيق مقولة
"ما يلزّك على المرّ إلاّ الأمرّ". وقهوتي المرّة، وقد تركتُ مغازلتها،
مرّ لذيذ وطبيب استعجاليّ في أيّامنا، ومؤنس عن بعد مثل الّذين نحبّهم وابتعدنا
عنهم حماية لهم من المجهريّ الّذي قد يأخذ بأنفاسهم وأنفاسنا.
صباحي أيضا
صار غريبا، لم يعد يأخذ بيديّ لأتفقّد ملامحي ولا يقودني إلى القراءة الّتي صارت
بطيئة متعثّرة غائمة بلا تفكّر، حتّى تزايد عدد الكتب إلى جانبي تطلب فتحها فأفتح
واحدا منها وأتهجّى سطرين وتبتعد بقيّة الأسطر عن عينيّ تاركة أثر نمل في الرّمل
لا أتبيّنه وأعجز عن تتبّعه فأغلق الكتاب وأرتّبه فوق كتب الشّهر المختارة
للمطالعة وأفتّش في رأسي عن غيمة تسعفني برذاذ فكرة ألاحقها حتّى لا يصيبني
الخَرَفُ.
تحرّكت في
مساحتي المتاحة من الصّباح قبل العمل وأنا "أخرّفُ" لنفسي عن رأس لا
يسكنه الصّداع وعن مشروع مربح جدّا، سأفتح دكّانا لتغيير الرّؤوس لعلّ رؤوسنا بما
حملت وفكّرت تخفّ عن أكتافنا وتقطف ثمرا يانعا لنحيا بسلام.
وصلني صوت
مذيع الأخبار متقطّعا: "وزير الصّحّة... ورئيس الحكومة... عريضة سحب الثّقة...
رئيس البرلمان... المحكمة الإداريّة... رئيس الحكومة... سنشهد تقلّبات الطّقس غدا...
أعدت صوت
الرّاديو إلى حنجرته واستعرت أغنية لصباحي بصوتي الّذي بدا كصرير باب قديم:
"يا
رايحين و الثّلج ما عاد بدكن ترجعوا
صرّخ
عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا... "
وحين بدأ
نشاز صوتي يغيب وعمل الغناء في رأسي عمله وجدتني أغنّي بصوت واضح:
"شو بدّي أعمل فيهن
نيّمهن
وطعميهن
هيدا
بدّو تبّولة
هيدا
بدّو ملوخية
ناقص
تقلي بطاطا وتقدّم ع الصينية
يا
رئيس البلديّة"...
هكذا عاد
الصّداع كالرّيح يعصف برأسي ويشوّش تفكيري ويقودني مع الغيم لأمطر في الصّحراء
وفوق البحر.
وهيبة قويّة
من أنا بخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التّعليق يظهر بعد مراجعته. شكرا